رغم إقرار الاحتلال الإسرائيلي بمسؤوليته عن اغتيال القيادي البارز في "حزب الله" وعميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار (1)، إلا أنّه من المستبعد حدوث مواجهة شاملة بين "حزب الله" و"إسرائيل" في ظل المتغيرات الاقليمية الحالية، خصوصاً في سوريا.
وبينما يؤكد مختصون أن الرد على اغتيال القنطار قد يقود إلى مواجهة شاملة من دون تحديد حجم جغرافيتها أو وقتها، يرى آخرون أنّ "إسرائيل" لا تريد إشعال جبهة جديدة مع "حزب الله"، وهو منشغلٌ في الجبهة السورية، لكنه لن يسكت على اغتيال قيادي بارز بحجم القنطار، بمعنى أن الحزب سيختار الرد يبن مستويين مختلفين، "أكثر من صمت، وأقل من حرب".
حسابات مفتوحة
يعتبر الباحث المختص في قضايا الشرق الأوسط، حسن عبدو، أن اغتيال القنطار يفتح الباب على سيناريوهات مختلفة، في وقت يرى "حزب الله" أنه ملزمٌ بالرد على عملية الاغتيال، مشيراً إلى أنّ ذلك قد يكون بداية لتصعيد جديد غير محسوب مع "إسرائيل".
وفي حديث إلى "النشرة"، يوضح عبدو أن جغرافيا الرد هذه المرة يمكن أن تقتصر على الجنوب اللبناني، أو ربما تشمل الجغرافيا السورية وأماكن أخرى، في وقت لا أحد يعرف ماذا ستخبئ الأيام المقبلة.
ويلفت عبدو إلى أنّ الرد على اغتيال المسؤول العسكري السابق في "حزب الله" عماد مغنية لم يُغلق أصلاً حتى اليوم رغم مرور نحو ثماني سنوات على الجريمة، باعتبار أنّ الردّ يجب أن يكون بنفس مستوى العدوان، بمعنى أنّ الحزب لن يرضى بأقلّ من عملية اغتيال كبيرة توازي حجم اغتيال قيادي بمكانة وموقع مغنية.
وعن احتمال أن يكون رد "حزب الله" سريعاً هذه المرّة أم أنه سيأخذ وقتاً طويلاً، يشير عبدو إلى أنّ "حزب الله" أجّل الرد على اغتيال عدد من قياداته في السابق لظروف مختلفة ولانغماسه في مواجهة إقليمية ودولية للمؤامرة على سوريا حسب قوله، مشدداً على أنّ هذه المواجهة "قللت من فرص الرد وجعلته مؤجلاً لكن اغتيال القنطار قد يعجل بإقفال الحساب مع إسرائيل تجاه عماد مغنية وحسان اللقيس وغيرهما من القادة الذين تم اغتيالهم".
هل تشتعل الجبهة الشمالية؟
وفي وقتٍ رُسِمت الكثير من السيناريوهات حول حربٍ من شأنها أن تخرق الهدوء المخيّم على الحدود الشمالية مع لبنان، يستبعد محلل الشؤون الإسرائيلية أكرم عطالله أن تكون إسرائيل في وارد إشعال جبهة جديدة مع "حزب الله"، خصوصًا أنّ أيّ حربٍ من هذا النوع قد تتوسع وربما تطال دول عديدة، بالنظر للمتغيّرات الدولية والإقليمية الحاصلة.
ويرى عطالله، في حديث لـ"النشرة"، أنّ "حزب الله لا يمكنه أن ينشغل في جبهتين في الوقت نفسه"، معربًا عن اعتقاده بأنّ أولويته في هذه المرحلة تبقى في سوريا، حيث يحقق إنجازاتٍ على الأرض مع الجيش السوري لا يريد أن يخسرها، وإن كان غير مستعدّ بأيّ شكلٍ من الأشكال للسكوت على اغتيال القنطار.
وانطلاقاً من ذلك، يرجّح عطالله أن يختار "حزب الله" الردّ على طريقة "أكثر من صمت وأقلّ من حرب"، مشيراً إلى أنّه قد يلجأ لتنفيذ عمليةٍ كبيرةٍ على الحدود، لافتاً إلى أنّ أحداً لا يمكنه التنبؤ بتداعياتها منذ الآن.
هل لبنان جاهز للحرب؟
وفي سياقٍ متصل، يلفت عطالله، وهو كاتب سياسي أيضاً، إلى أنّ لبنان ليس جاهزاً ولا مستعداً لخوض أي حرب جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا إذا كانت مدمّرة كحرب تموز 2006، والتي تم خلالها استهداف قرابة 420 هدف داخل لبنان، منها منازل عدد كبير من المسؤولين في "حزب الله" ومقراته، وأبراج إرسال، ووسائط اتصال، إضافة إلى تدمير الطرقات والجسور، وارتكاب مجازر بحق المدنيين وقصف بيوتهم، ما أدّى لنزوج الكثير من اللبنانيين، قدر عددهم بنصف مليون نازح لبناني من مناطق مختلفة.
ويعرب عطالله عن اعتقاده بأنّ اندلاع حربٍ من هذا النوع يمكن أن يزيد الشرخ السياسي داخل لبنان، لأنه سيصار إلى تحميل المسؤولية إلى "حزب الله" واتهامه بجرّ لبنان إلى حرب تهدد التوازن الداخلي اللبناني، لافتاً إلى أنّ ذلك أحد الأسباب التي لا تجعل "حزب الله" متحمّساً للحرب، باعتبار أنّ الحرب يجب أن تكون حساباتها دقيقة جداً.
في المحصلة، من الواضح أن الحساب سيبقى مفتوحاً بين "حزب الله" و "إسرائيل" للرد على اغتيال القنطار وعدد من القيادات العسكرية، لكن من غير المتوقع أن يرد الحزب على عملية الاغتيال بنحو قد يؤدي لاندلاع حرب شاملة، لكنه في الوقت نفسه لن يصمت على اغتيال المسؤول الكبير والمقاوم.
(1) سمير القنطار، من مواليد تموز 1962، وهو أقدم أسير لبناني في "إسرائيل" ولقب بعميد الأسرى اللبنانيين. وقد أضافت الولايات المتحدة اسمه الى لائحة الإرهاب السوداء.