قبل ايام من استهداف قائد "جيش الاسلام" زهران علوش في ريف دمشق، عرضت صحيفة أجنبية تقريراً تحدثت فيه عن "سعي علوش لجمع الاموال"، وأوحت الصحيفة ايضاً ان علوش يشبه غيره من قياديي المجموعات المسلحة، بعكس الصورة التي حاول هو تعميمها عن "اعتدال" يميّزه عن باقي الفصائل المسلحة. فهل أتت هذه الإضاءة الإعلامية مصادفة ام من ضمن رفع الغطاء الدولي عن علوش؟
نجح قائد "جيش الاسلام" في السنوات الماضية في حياكة علاقات دولية مع تناقضات إقليمية، الى حد انه كان يُعرف برجل السعوديين في المعارضة المسلحة، وبالوقت نفسه تربطه علاقات وثيقة بالمخابرات التركية. امتلك كاريزما القيادي العسكري-السياسي. ورث "الشيخ زهران" عن والده الذي كان "اخوانياً" صلات مع أبناء الغوطة، ساهمت في رفع رصيده في دوما ومحيطها.
كان معارضون في الأعوام السابقة يتهامسون بإسمه كمرشح لتسلم زمام الادارة السورية بعد "سقوط النظام". لكن مجريات السياسة والميدان خيّبت توقعاتهم المرتكزة الى العاطفة لا الواقع السوري.
استند المهتمون السياسيون الى جملة معطيات أدت للتخلص من زهران علوش الآن. بعضهم قال ان "النظام السوري لم يقتل علوش سابقاً لاعتبارات عدة لها ابعاد داخلية صرفة، الى حد كان يخوّن فيه معارضون علوش ويتهمونه بإقامة علاقات سرية مع "النظام" بعد إخراجه من السجن.
لكن هل كان قتل قائد "جيش الاسلام" ممنوعاً دولياً في السابق وصار مسموحاً الآن؟ من هو التالي؟ اين؟
هناك من يرى ان اوراق قياديي المجموعات المسلحة تتهاوى نتيجة فيتوات متبادلة توضع بين العواصم والسوريين: "ورقة علوش تحديداً اسقطتها دمشق لعدم قبولها بمشاركته على طاولة المفاوضات المرتقبة". من هنا جاءت الموافقة الدولية على انهاء شخصه-دوره. لا يقتصر الامر على علوش. هناك مجموعة اسماء تشكل عقبة امام اي اتفاق محتمل وتستفز دمشق، سيُصار الى كشف أوراقها لإسقاطها. هذه طبيعة الحروب والتسويات. هناك دوماً من يدفع الثمن.
لدمشق مبرراتها برفض علوش: هي لا تسامح من قصف العاصمة واستباح امنها ولا يزال بالهاون وتحدّاها على بعد مئات الأمتار من عقر دارها. هي ترفض اي دور لقائد مسلح خاض معارك ضارية ضد الجيش السوري وقتل ضباطاً وعناصر من صفوف العسكريين. أيضاً ترفض وصول رمز عسكري معارض للجلوس على الطاولة بالحوار المرتقب.
في توقيت الإغتيال استغلال سوري لفترة "النقمة الدولية على الإرهابيين" للتخلص ممن تصدّر صفوف المسلحين في ريف العاصمة تحديدًا.
قَتْلُ علوش سرق الأضواء من حجم الضربة الجوية التي قضت على قياديين آخرين خطيرين كانوا الى جانبه في حراكه العسكري، وكيفية وصول المعلومات الاستخباراتية للسوريين والروس عن اجتماع بهذا الثقل كان محاطاً بالسرية. لتبدأ الأسئلة: من وشى بالمجتمعين؟ هل كان علوش مطمئناً الى وضعه بوجود "خط احمر" يحول دون قتله؟! هل باعه حلفاؤه الاقليميون او الدوليون؟ هل ترصد الاجهزة الروسية كل تفصيل فوق سوريا وتُترجم في تصريف بنك الاهداف؟ ماذا بعد؟ هل يستطيع خليفة علوش "ابو همام" قيادة "جيش الاسلام" بنفس الوتيرة؟
تصح معادلة "تفريخ" القيادات في المجموعات الاسلامية المقاتلة، كما الحال مع "حركة أحرار الشام"، ما يتيح الاستمرارية، لكن الزمن السوري الآن يعاكس طموحات وسيناريوهات المسلحين. يبدو ذلك من هجرة القيادات المسلحة من ريف درعا الى الخارج، وتقدم الجيش السوري وحلفائه في الريف الجنوبي لحلب والشمالي للاذقية. هذا ما عكسته التسويات الجديدة حول الزبداني وكفريا والفوعا، التي تخفف عملياً معارك وأثماناً وعديداً يوفرها الجيش السوري وحلفاؤه الى مساحة اخرى.
المشهد السوري برمته يوحي بتبدل قواعد الميدان: فهل تتغير الأوضاع قبل موعد الحوار السوري؟
اهم المتغيرات هي في السياسة الدولية الجديدة التي أعطت عملياً "النظام" عبر موسكو بطاقة خضراء للقضاء على ما تيسر له من المسلحين. الأسابيع المقبلة حافلة بالتطورات من ريف درعا الى ريف حلب وما بينهما، في لعبة ميدان مفتوحة. لا حسم للجبهات سريعاً، لكن المسار تغير مقارنة بسنوات الازمة السورية الماضية. محطة بسيطة قابلة لشرح المشهد الميداني: حاولت فصائل المسلحين في ريف حلب التقدم عبر باشكوي وجمعت عديدا ضخما وعتادا ثقيلاً، كانت المعركة هي الأعنف ومن أصعب المعارك، لكن الجيش السوري وحلفاؤه أفشلوا الهجوم. لم يعد المعارضون المسلحون قادرين على التقدم في كل الجبهات، بينما يتقاسم الجيش وحلفاؤه والكرد و"قوات سوريا الديمقراطية" الانجازات-كل في مناطقه.