من حيث المبدأ، توازي عملية إغتيال قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، من قبل القوات السورية، بأهميتها ما توصلت إليه كل المسارات السياسية، الإقليمية والدولية، من إجتماعات مجموعة الدعم الدولية وصولاً إلى مؤتمر قوى المعارضة في العاصمة السعودية الرياض، فهي لا يمكن أن تكون إلا نقطة مفصلية بارزة في مسار الأحداث الطويل.
من هذا المنطلق، لا يمكن أن يمر هذا الإختراق الأمني البارز مرور الكرام، فهو من المتوقع أن يترك تداعيات بارزة، على الصعيدين العسكري والسياسي، من دون أن يكون لدى أي جهّة القدرة على توقع الإتجاه الذي ستصب فيه، سواء لصالح قوى المعارضة أو الحكومة، فالغموض لا يزال يسيطر على المشهد حتى الساعة.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن العملية لا تنفصل عن مسار قائم في الساحة السورية منذ أشهر عديدة، فالإغتيالات هي السلاح الأبرز لدى الدول الكبرى، من أجل تحسين أوراق قوتها على أرض الواقع، وبالتالي من المتوقع إغتيال أي شخصية سياسية أو أمنية في أي لحظة، لكنها ترى أن إستهداف علوش كان يُعتبر من الخطوط الحمراء، نظراً إلى الدور الذي كان يُرسم له، خصوصاً في ظل الدعم القوي والمباشر الذي يحظى به "جيش الإسلام" من قبل السعودية، التي تراهن عليه ليكون ورقتها العسكرية على طاولة المفاوضات السياسية في المستقبل.
بالنسبة إلى هذه المصادر، ترى أن إستهداف علوش هو رسالة مباشرة إلى الرياض، التي كانت تسعى إلى الإنقلاب على الإتفاقات التي عقدت في مؤتمر فيينا الثاني، عبر العمل على تثبيت مرتكزات تجاوزتها الدُّوَل الكبرى في إطار المفاوضات القائمة فيما بينها، لا سيما بالنسبة إلى الإصرار على بت مصير الرئيس السوري بشار الأسد قبل الإتفاق علي أي أمر آخر، في حين أن بوصلة الأحداث أصبحت في مكان مختلف، ينطلق أولاً وأخيراً من التهديد الذي تمثّله الجماعات الإرهابيّة المتطرّفة، بالإضافة إلى إعلانها التحالف الإسلاميّ العسكريّ، الذي يحمل عنوان محاربة الإرهاب، أي عن مسرح عملياته المفترض سيكون الساحتين العراقية والسورية، فيما لو كتب له التحول من الإطار النظري إلى التطبيقي.
من وجهة نظر المصادر نفسها، يمكن القول أنّ عملية الإغتيال هذه رسالة متعددة الجهات، مفادها بأن الميدان العسكري والأمني لا يزال هو المقرر الأول لمستقبل الأوضاع السورية، وتشير إلى أنها وصلت أولاً إلى مختلف قيادات قوى المعارضة، التي باتت تدرك جيّداً أن الحديث عن إنطلاق مسار التسويات لا يضعها خارج دائرة الإستهداف، لا بل أكثر من ذلك هي تتضمن تأكيد بأن ليس هناك من خطوط حمراء، خصوصاً أن علوش كان يعتبر من أبرز الشخصيات التي من المفترض أن يكون لها دور في المستقبل، في حال التوصل إلى إتفاق على شاكلة إتفاق الطائف اللبناني الذي أنهى الحرب في بداية التسعينات.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل اللحظة الدقيقة التي وقعت فيها العملية، حيث من المفترض أن تنطلق المفاوضات بين قوى المعارضة والحكومة، برعاية الأمم المتحدة، في بداية العام المقبل، في وقت لا تزال فيه جهات إقليمية فاعلة تسعى إلى عرقلتها بأي ثمن، ما يعني أنها تمثل تحذيرًا إلى من يعنيهم الأمر بأنّهم قد يخسرون أوراقهم بأي لحظة في حال إستمروا في مواقفهم السابقة، من دون التقدم خطوة إلى الأمام من أجل المساعدة على الخروج من المأزق الحالي، والدليل هو ما حصل مع الرياض، التي من الممكن القول أنها خسرت شخصية كانت تعتبر ركناً أساسياً في مشروعها السوري.
وفي حين لا تزال العديد من علامات الإستفهامات تطرح حول ما حصل فعلياً، تلمح المصادر نفسها إلى التحول الذي أحدثه التدخل الروسي المباشر في الحرب، حيث نجح، بحسب ما ترى، في إعادة تثبيت الواقع الميداني على نحو أفضل بالنسبة إلى الحكومة السورية، مقابل وقف تقدم قوى المعارضة، بالإضافة إلى وضع أبرز الداعمين الإقليميين لها، أي السعودية وتركيا، في موقع حَرِج، فهي تعتبر أن موسكو، بعد إسقاط أنقرة طائرتها العسكرية، وضعت على رأس قائمة أهدافها كسر "عنجهية" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليكتمل المشهد مع خسارة الرياض ورقتها الأقوى، خصوصاً أن "جيش الإسلام" بعد مقتل علوش، الذي كان يسيطر بقبضة حديدية، لن يكون كما قبله.
في المحصّلة، نجحت الحكومة السورية في تحقيق إنتصار أمني بالغ الأهمية، بالتزامن مع التقدم الذي حصل على أكثر من جبهة عسكرية، في حين تسعى قوى المعارضة إلى إعادة تجميع قوتها للإنطلاق في جولة ميدانية جديدة، ولكن هل يدعم إغتيال علوش مسيرة الحل السياسي البطيئة أم ينهيها؟