كما في كلّ عام، تعود "النغمة" نفسها، جلسات تلفزيونيّة تستضيف شخصيّات تدّعي إمتلاك مواهب خارقة والقدرة على رؤية الغيب وكشف أحداث المُستقبل، علماً أنّ ما ينطق به هؤلاء من "رؤى"، لا يعدو كونه سردًا لايحاءات عُموميّة وغامضة تحمل عشرات التفسيرات والتأويلات، ونقلاً لبعض التحليلات الصحافيّة في مختلف المجالات، وخُصوصًا مُحاولات تذاكٍ، لجهة توقّع أحداث كان من المَعروف مُسبقًا أنّها ستحصل، وصوغها بعباءة "الرؤية" و"التنجيم" و"كشف الغيب" إلى ما هناك من سخافات وترّهات لا تعلق إلا بأذهان فئات غير مُثقّفة من الناس. ولو أردنا توثيق كل "التنبّؤات العظيمة" التي نطق بها "كبار المُنجّمين" في لبنان عشية رأس السنة 2014-2015، والتي لم يتحقّق منها شيء، لاحتجنا إلى موسوعات ومُجلّدات كاملة، لذلك سنكتفي ببعض الأمثلة من هنا وهناك.
من ضمن "نُبؤات" و"رؤى" السيّد ميشال حايك مثلاً: "رئاسة الجمهوريّة رح تشهد لعمليّة قيصريّة قريبًا"، لكنّ العام 2015 مرّ بكامله، ولم نشهد لا ولادة طبيعة ولا Cesarienne! وكذلك: "إليكم عُقاب صقر من جديد، وبحلّة جديدة"، مع الإشارة إلى أنّ غياب النائب صقر بنسخاته القديمة والجديدة مُستمرّ! ومن "تنبؤاته" أيضًا: "العثور في المياه الإقليميّة عَشي عم بفتّش عنّو العلماء والخبرا وأصحاب الإختصاص منذ وقت قديم وطويل"، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحصل، ولم نسمع سوى عن قُمامة تتكدّس تحت مياهنا بسبب أزمة النفايات، بينما الإكتشاف المهم الذي حصل عالميًّا هو لحطام سفينة إسبانية مُحمّلة بالذهب قُبالة سواحل كولومبيا، وذلك بعد تفتيش دقيق وتضييق تدريجي لدائرة البحث على مدى سنوات. ومن بين "تنبؤات" السيّد حايك التي تحمل طابع الرهبة، نذكر قوله: "نجاة شخصيّة من صفّ 14 آذار رح تكون تعزية بغياب شخصية تانية" وهو ما لم يحصل، وقوله أيضاً: "مُعطيات جدية لملف اللبنانيّين في السجون السوريّة بيغيّر وجهة التحرّكات"، علمًا أنّ ما حصل هو عكس ذلك تمامًا، حيث أنّ الإهمال والتلكّؤ في هذا الملف دفعا أهالي المفقودين في السجون السورية إلى رفع خيمة إعتصامهم من بيروت! والأمثلة المليئة بالنتائج المُخيّبة لا تنتهي...
وبالإنتقال إلى السيّد مايك فغالي فمن بين الأمثلة على "نُبؤاته" نذكر: "وليد جنبلاط: الزعامة تُسلّم إلى الوريث"، علمًا أنّ هذا الأمر لم يحصل لأنّ النائب جنبلاط عاد وأرجأ تسليم تيمور زمام الأمور بسبب صُعوبة المرحلة، بعد أن كان شاع إعلاميًا أنّه سيُقدم على هذا الأمر، وكذلك: "الرئيس برّي: أزمة صحّية بيمرق فيا، وأتمنّى ألا تترك أي أثر سلبي" علمًا أنّ صحّة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بألف خير ولم يمرّ بأيّ أزمة. ومن ضمن "الرؤى" السياسيّة نذكر مثلاً: "حوار مسيحي مسيحي والرعاية الكبرى للبطريرك، وميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجيّة يد واحدة"، علمًا أنّه لو كان لكل إنسان أكثر من يدين إثنتين، لكنّا رأينا أكثر من ثماني أيدٍ مرفوعة حاليًا نتيجة الإنقسامات الكبيرة داخل الصفّ القيادي المسيحي! وللأسف علينا الإنتظار ستة أشهر إضافية لنرى إذا كانت إحدى أقوى "تنبّؤات" فغالي ستتحقق، حيث قال: "قد نستعيد مشهد من مشاهد سيدنا نوح، في بعض المناطق... أقوى من تسونامي، وكلامي يُشير إلى الدورة الكبيرة التي قد تمتدّ لفترة 18 شهرًا"، علمًا أن أقوى مشهد رأيناه في العام 2015، هو مشهد النفايات المُنجرفة بالسيول في ضواحي بيروت، وما علينا سوى إنتظار ستة أشهر إضافيّة!
بالإنتقال إلى السيدة ليلى عبد اللطيف فهي قالت: "أرى إحتجاجات في الضاحية الجنوبيّة تُسبّبها إحدى الحملات الوزاريّة... وزير بياخود قرار بشي معيّن"، وهو ما لم يحدث. وعن الحوار بين "حزب الله" و"تيّار المُستقبل" وإضافة إلى بعض الكلام العُمومي تقول: "التقارب السعودي-الإيراني سيُشكّل أهمّ المفاجآت في هذا الحوار، وأهمّها يتعلّق بالإستحقاق الرئاسي"، علمًا أنّ ما حصل خلال العام 2015 هو مواجهة سعوديّة-إيرانيّة مفتوحة في بعض الأماكن، في ظلّ العديد من المحاولات الفاشلة لتقريب وجهات النظر، ما إنعكس سلبًا على الإستحقاق اللبناني. ومن ضمن "نبؤات" عبد اللطيف: "جان عبيد: أرى إسمه يتردّد كثيرًا وبقوّة في وسائل الإعلام مع بدايات 2015، ومن يُريد أن يعرف لماذا؟ عليه أن ينظر إلى قصر بعبدا". وأضافت: "سليمان بك فرنجيّة، أنا بحبّو كتير، ويومًا ما منشوف صُورو بالدوائر الرسميّة، وما بغيّر توقّعي (تتحدّث عن توقّع سابق سبق توقعاتها الجديدة عشيّة ليلة رأس السنة 2014-2015)، ولكن أنا إلهامي عم يجي على الوزير جان عبيد"، وكان من الأفضل إضافة أسماء باقي المُرشّحين مثل (مع حفظ الألقاب) ميشال عون وجان قهوجي ورياض سلامة، إلخ. لضمان تحقّق إحدى "الرؤى"!
ومن "تنبؤات" سمير طنب التي نترك التعليق عليها لكم بسبب ضيق المساحة، علمًا أنّنا لاحظنا تخصّصًا طبّيًا في نوعيّة "الرُؤى": "(الأمين العام لحزب الله) السيد حسن نصر الله يتعرّض لآلام مبرحة في الرأس وارتفاع في الضغط تُحتّم إنتقاله إلى إيران للعلاج لتفادي جلطة مُحتملة"، "النائب ميشال عون يتعرّض لمتاعب صحّية قد تكون إرتفاع السكري والضغط ما قد يُسبّب له جلطة في رجله اليمنى"، "الرئيس السابق أمين الجميل وبعد عودته من بلد بارد قد يتعرّض إلى برونشيت قوي أو إلتهاب في الرئتين يدخل معها إلى المُستشفى!" ومن بين "الرؤى" السياسيّة: "تزداد علاقة (رئيس حزب القوات اللبنانية) سمير جعجع تماسكًا مع السعودية ومع (رئيس تيار "المستقبل) سعد الحريري"، وكذلك "أربع رؤساء دول يجتمعون في لبنان لوضع خارطة طريق لحلّ مُشكلة رئاسة الجمهوريّة"، إلى ما هناك من "رؤى" التي لم نعد نعرف إذا كانت مُضحكة أم مُبكية!
في الختام، صحيح أنّ لمحطات التلفزة قوّة تأثير تفوق بأضعاف قوّة تأثير الإعلام المكتوب، وصحيح أنّ التقارير المدفوعة الثمن التي يتمّ إعدادها، والتي تُضيء على بضع عشرات من العُموميّات التي حصلت، وتُخفي مئات من "التنبّؤات" المزعومة التي لم تتحقّق، تفعل فعلها في الرأي العام البسيط، وصحيح أنّ الكلام العُمومي لمدّعي "النُبوءة" عن حزن هنا وكارثة هناك ومفاجآت هنالك توقع البعض بفخاخها... لكنّ واجبنا الإعلامي والعلمي والديني والأخلاقي يدفعنا إلى إبقاء المعركة الإعلاميّة مفتوحة مع كلّ اللاهثين لجني الأموال الطائلة عبر أساليب مُخادعة ومُضلّلة، علمًا أنّ عدد الأشخاص الذين يقعون بها يقلّ يومًا بعد يوم، نتيجة الإرتفاع التدريجي للمستوى العلمي والثقافي لأفراد المُجتمعات.