على الرغم من فشلها في تحقيق الهدف المطلوب منها على الصعيد الرئاسي، لم تنتهِ مبادرة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، القائمة على ترشيح رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، حيث لا تزال هي الوحيدة القائمة عملياً في ظل غياب البديل عنها، بعد أن تراجعت حظوظ كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون.
وفي حين كانت البوصلة خلال الساعات الماضية متجهة إلى بكركي، حيث صدر التأكيد من جانب "حزب الله"، على لسان رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد إبراهيم أمين السيد، على التمسك بترشيح العماد عون، كانت أوساط قيادية في "تيار المستقبل" تشدد على أن هذا الطرح أصبح من الماضي، وبالتالي المفترض البحث جدياً عن بديل، في حال كانت هناك رغبة بالخروج من حالة الفراغ، وتشدّد على عدم إمكانية "الإستمرار في سياسة المرشح الوحيد، رغم عدم قدرته على تأمين توافق وطني حوله".
في هذا السياق، تشير هذه الأوساط، عبر "النشرة"، إلى أن "المستقبل" لا يزال متمسّكًا بمبادرة الحريري، إنطلاقاً من كونها حلاً وسطاً، خصوصاً أن النائب فرنجية هو من صلب قوى الثامن من آذار، وتدعو المعارضين لها إلى تقديم البديل المنطقي، وتؤكد أنّ معادلة الفرض لا يمكن القبول بها بأي شكل من الأشكال، وتلفت إلى أن الأمر نفسه يطبق على موضوع رئاسة المجلس النيابي، حيث تعتبر أن نجاح رئيس المجلس نبيه بري في الإستمرار في موقعه يأتي من التوافق عليه بين جميع الأفرقاء، مع العلم أن قوى الرابع عشر من آذار هي من يملك الأغلبية النيابية منذ العام 2005.
وتستغرب الأوساط نفسها الحديث عن فرض رئيس "تيار المردة" على الفريق الآخر، حيث تعتبر أن الجميع كان يدرك بأن لدى قوى الثامن من آذار مرشحَين، الأول هو العماد عون في حين أن الثاني هو النائب فرنجية، وترى أن تنازلها للتوافق على واحدٍ منهما يجب أن يكون موضعَ ترحيبٍ لا إنتقاد، خصوصاً أنّ الأحداث في المنطقة لا توحي بانتصار فريقٍ على الآخر، لا بل على العكس من ذلك، هناك عملٌ على إبرام تسوياتٍ عدّة، تبدأ من اليمن ولا تنتهي في سوريا، وبالتالي المطلوب التعاون مع قبل كلّ الأفرقاء لإنجاز تسويةٍ محليةٍ بدل الإستمرار في سياسة الإنتظار التي يدفع ثمنها اللبنانيّون غالياً.
إنطلاقاً من ذلك، تشدّد الأوساط القيادية في "تيار المستقبل" على أنّ المبادرة الحاليّة ستكون الأقوى في العام المقبل، كي يتمّ ترجمتها عملياً أو الإنطلاق منها للتوافق على شخصية أخرى، وتلفت إلى عدم وجود إمكانية للتراجع إلى الوراء من جديد، وتقول: "إما التوافق على النائب فرنجية أو الذهاب إلى مرشح توافقي يكون من خارج الإصطفاف الحالي"، إلا أنها لا تعلق الكثير من الآمال على التوصل إلى حل في وقت قريب، نظراً إلى أن الرغبة الحقيقية لدى الفريق الآخر هي في عدم إنتخاب رئيس، بالرغم من الدعوات الكثيرة التي تصدر عن قياداته، وترى أن الهدف الأول والأخير حتى الآن لا يزال الوصول إلى مؤتمر تأسيسي ينهي التركيبة القائمة منذ توقيع إتفاق الطائف، مع العلم أن لهذا الخيار تداعيات خطيرة لا يمكن حصرها، في وقت يجري العمل في دوائر صنع القرار الدولية على إعادة تكوين خارطة منطقة الشرق الأوسط من جديد.
في هذا الإطار، تشير الأوساط نفسها إلى أن النظرة الواقعية إلى الملف اللبناني تحتم إنتظار عودة قنوات الإتصال بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، بعد أن كان الملف الرئاسي في السابق ينتهي بمجرد التوافق بين الرياض ودمشق، وترى أن طهران لا تزال حتى الساعة غير مستعجلة لإنجاز الإستحقاق اللبناني، على إعتبار أن رهاناتها منصبّة على محاولة إحداث إنتصارات حاسمة في الساحة الإقليمية المجاورة، لكنها تسأل: "هل تعتقد إيران فعلاً أن الدول الكبرى ستسمح لها بالإمساك بمختلف ملفّات الشرق الأوسط؟"، لتجيب: "المنطقة قادمة على توازن قوى جديد، وبالتالي بعد كل هذه السنوات من الحروب المدمّرة ستعمّ معادلة لا غالب ولا مغلوب، لكن تكريسها لا يزال يحتاج إلى بعض الأحداث الضرورية لرسم التوازنات الحقيقية".
في المحصلة، ليس هناك من رئيسٍ جديدٍ في لبنان في الأيام المقبلة، بالرغم من كلّ الكلام الذي يُطرَح في الأوساط السياسية والإعلامية، بانتظار التوافق الإيراني-السعودي على إنجاز هذا الملفّ، لكن حتى ذلك الوقت لا تزال مبادرة الحريري هي الوحيدة القابلة لتصبح أمراً واقعاً، بسبب إمكانية التوافق عليها بين مختلف القوى السياسية الفاعلة.