مع الساعات الأخيرة للعام الخامس للعدوان على المنطقة وعلى محور المقاومة، انطلاقاً من الحرب التي شنّت على سورية، وفي وقفة تحليلية للمشهد بكلّ جوانبه، وفي استقراء علمي نستطيع القول إنّ العدوان فشل في تحقيق أهدافه، وبدأت متسارعة الآن مرحلة الانحسار الاستراتيجي لمكوّناته، مرحلة تترجَم بتخبّط وتراجع عن شعارات أطلقت لتكون عناوين للعدوان، ثم انحسار وضمور الفضاء الاستراتيجي لمكوّنات العدوان الإقليمية، ولم يعُد يتمسّك بالغابر من تلك الشعارات والمطالب إلا أحمق أو أعمى أو مكابر منفصل عن الواقع.
أما سبب هذا الاستنتاج فمردّه إلى نتائج المواجهة العسكرية التي فرضت الواقع الجديد الذي يُبنى عليه واقع نستطيع القول معه إنّ الحلفاء العاملين في سورية دفاعاً عنها، كدولة وكموقع ودور، باتوا يمتلكون الآن وبكلّ ثقة كامل مقوّمات العمل باستراتيجية هجومية واضحة ملائمة للموقف، وبشكل يمكنهم من استعادة السيطرة على كامل الأرض التي دخلها المسلحون الذين خسروا القدرة الهجومية وباتوا في معظمهم في وضع دفاعي لا يستطيعون معه الاستمرار الأكيد في المناطق التي أفسدوا أمنها واستقرارها وفي هذا المجال نتوقف عند العناوين الأساسية التالية:
أ ـ على صعيد الجبهات الحدودية
1 ـ تمكنت سورية وحلفاؤها من عزل لبنان بشكل شبه كامل عن الميدان السوري. إذ بعد خط الحدود في الشمال الذي أقفل كلياً في وجه المسلحين كان إقفال خط الحدود الشرقي الذي لم يتبقّ منه إلا جزء قصير في المنطقة الواقعة بين جرود عرسال وجرود رأس بعلبك وهي عملياً تعتبر بحكم المغلقة أيضاً بسبب انتشار الجيش اللبناني بقواه القتالية ومدفعيته في مواجهتها.
2 ـ تمكنت القوى العسكرية العاملة دفاعياً في الجنوب من إفشال 7 موجات هجومية خططت لها غرفة عمليات «موك» القائمة في الأردن، ومع فشل الموجة السابعة تفككت الغرفة، ثم وبتأثير من المتغيّرات الدولية بدأ الأردن يتحرك تراجعياً إلى الخلف، وباتت الجبهة الجنوبية تعيش حالة من الركود المغلق على الخارج، ودخلت في وضع يمكن القوات السورية وحلفاؤها من إعمال الاستراتيجية الهجومية المعتمدة على نطاق واسع منذ أواخر أيلول الماضي. ومع بدء الأعمال الهجومية هناك تقهقر المسلحون ولم تكن استعادة الشيخ مسكين إلا أول الغيث في هذا المسار.
3 ـ على جبهة الشمال مع تركيا. في هذا الخط نستطيع تقسيم الجبهة إلى 3 أقسام غربية وشرقية ووسطى. في القسم الغربي حقق الجيش العربي السوري وحلفاؤه تقدّماً هاماً، وامتلك السيطرة على المرتفعات وبات يتقدّم بشكل مضطرد من الحدود مع إقليم الإسكندرون المغتصَب، أما في الجبهة الشرقية فقد حققت القوات الكردية إنجازات هامة مكّنتها من السيطرة على أكثر من 85 من هذا الجزء. يبقى القسم الأوسط والوضع فيه على شيء من التعقيد، ورغم أنّ تركيا شرعت في بناء جدار عازل يسدّ الطرق في وجه «داعش» إلى تركيا، فإنّ الطمأنينة إلى الوضع على هذا الاتجاه لا تتحقق إلا بعد وصول قوات الجيش العربي السوري إلى الحدود وهو وضع لن يتأخر كثيراً.
4 ـ أما على الحدود مع العراق، فإننا نرى ورغم أنها مفتوحة خاصة لحركة إرهابيّي «داعش» إلا أنّ تأثيرها بدأ يتراجع مع متغيّرات الميدان العراقي بعد تحرير الرمادي، ومع الفعالية المعتبرة للطيران الروسي العامل في الأجواء السورية.
ب ـ على صعيد جبهات الداخل
لقد حققت القوات السورية وحلفاؤها إنجازات هامة بشكل خاص في خمس جبهات، هذه الإنجازات معطوفة على الفئة الأولى المتقدّمة الذكر جعلت المراقبين الموضوعيّين يقولون بكلّ وضوح إنّ سورية خرجت من دائرة الخطر المؤثر ودخلت في مدار استعادة السيطرة والاستقرار إلى البلاد كلها بشكل غير قابل للانكسار أو الخروج عن هذا المدار. وهنا وباختصار نتوقف عند ما يلي:
1 ـ جبهة دمشق ومحيطها وريفها: من المعروف أنّ المسلحين كانوا قد وصلوا في لحظة ما إلى تزنير دمشق بمثلث إرهابي كاد أن يكون محكماً بدءاً من الغرب القلمون – الزبداني ومن الشرق الغوطة الشرقية كاملة ومن الجنوب والجنوب الغربي طريق المطار إلى بقين مروراً بمخيم اليرموك وداريا والمعظمية وهدّدوا العاصمة بأمنها وبمواصلاتها، أما اليوم فقد تمّ كسر ضلع الإرهاب من الغرب بعد استعادة السيطرة على القلمون والزبداني، وتمّ كسر أو تمّ تعطيل ضلع الإرهاب جنوبي العاصمة بعمليات عسكرية ومصالحات، ووجّهت إلى الضلع الشرقي ضربات مؤثرة وهامة من خلال الخرق العسكري في مرج السلطان في عمق الغوطة الشرقية والضربة النوعية التي أجهزت على قيادة ما يُسمّى «جيش الإسلام» ما أدّى إلى اهتزازه وتضعضع فيه يدفع القوى إلى التعجيل في عملية تطهير الغوطة الشرقية.
2 ـ وفي الوسَط، نستطيع القول إنّ ما تحقق في حمص وريفها، ثم ما كان أخيراً من أمر حي الوعر وإخراج المسلحين منه، معطوفاً على تحرير مهين، قطع على المسلحين أيّ فرصة أو محاولة لإعادة ربط قواعدهم في الداخل السوري بمراكزهم التي لا زالت قائمة في جرود عرسال في لبنان، وبالتالي حققت هذه الإنجازات أماناً للمنطقة الوسطى ومهّدت الطريق لاستعادة تدمر شرقاً وتعزيز الاندفاعة التطهيرية شمالاً عبر الاتصال بحماه وريفها.
3 ـ أما في الشمال فإننا نتوقف عند نجاحات هامة يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في جبهات أربع، ريف حلب الجنوبي الذي طهّر منه أكثر من 85 وريف حلب الشرقي الذي بدأ تطهيره باستعادة مطار كويرس وإعادة تشغيله، ثم الاندفاع شمالاً باتجاه الباب، وريف حماه الشمالي الذي يشهد عمليات متقنة ومؤثرة فيه لتطويق إدلب وريفها من الجنوب، وريف اللاذقية الشمالي الذي سجلت فيه أهمّ وأبلغ الانتصارات وأعقدها. وأنّ الفراغ القريب من تطهير المناطق على تلك الجبهات الأربع، وهو أمر بات بحكم المؤكد والمسألة المتصلة به هي مسلوقة فقط، أنّ الفراغ منه سيؤدّي إلى إنجاز معركة حلب ولم تعد بعيدة، كما ومعالجة سهلة لإدلب وريفها بعد انصرام مهلة الهدنة السارية الآن بنتيجة مصالحة الزبداني الفوعة كفريا.
على ضوء ما تقدّم، نستطيع القول إنّ العام 2015 كان بالفعل عام حسم الاتجاه في الميدان السوري، حسم وصل إلى درجة القول بعدم قدرة العدو على إحداث أيّ شيء يغيّر هذا الاتجاه، ولذلك نرى أنّ كلام مَن يتمسّك بطروحاته العدوانية التي أعلنها في بدء العدوان، هو كلام مثير للسخرية والازدراء، كما هو حال كلام وزير خارجية بني سعود الذي يضحك الثكلى بقوله «إنّ ورقة معارضة الرياض لا تتضمّن موقعاً للرئيس الأسد في مستقبل سورية»!
إذن، الاتجاه حُسم ولم يعد الأمر مقتصراً على التوصيف الذي أطلقه الأميركيون، بقولهم منذ شهرين، بأنّ «كفة الحكومة السورية راجحة في الميدان»، بل عليهم أن يضيفوا إليه عبارة «إنّ استعادة التوازن غير ممكنة وإنّ تغيير الاتجاه مستحيل».
أما عن مستقبل المواجهة فنرى أنّ العمل سيكون على اتجاهين يتقدّم أحدهما الآخر ويؤثر فيه، حيث يكون في الميدان استكمال لما بدء العمل به حتى إنجازه، أما في السياسة فإنّ القرار 2254 الذي وضع خريطة عامة للعملية السياسية، فسيشهد محاولات تطبيق وإعمال بالقدر الذي يتفهّم فيه الفريق المعتدي على سورية بأنه انهزم وأنّ سورية لأهلها وشعبها الحرّ الذي له وحده اختيار قيادته وتحديد الموقع الاستراتيجي لدولته… ولذا نرى أنّ العام 2016 الذي نرجوه عام الحلّ سيكون فعلاً عام تلمّس الحلّ والسير إليه.