سيؤرّخ تاريخ الحرب السورية أن عام 2015 هو عام انقلاب موازين القوى الميدانية لصالح الجيش السوري بشكل دراماتيكي، خصوصاً في الجزء الأخير منه، وذلك بعد أن شهد الصيف بداية تراجع الجيش السوري على جبهات عدّة، لاسيما على الجبهة الشمالية في جسر الشغور.
لقد شهد الميدان السوري في الأسبوع الأخير من العام الحالي، تقدُّماً للجيش السوري وحلفائه على جبهات أربع؛ على الجبهة الجنوبية في درعا، حيث سيطر على مقر "اللواء 82" في ريف درعا، واقتحم بلدة الشيخ مسكين، ليقطع بذلك طريق إمداد المسلحين بين درعا وريف دمشق، وفي الداخل، أي في ريف حمص، حيث سيطر على بلدة مهين الكبير والصغير، بالإضافة إلى بعض البلدات المجاورة، وفي ريف اللاذقية على الجبهة الشمالية أحكم سيطرته على قرية برج القصب و"النقطة 1044"، وأخيراً على الجبهة الشرقية؛ حيث أدّى تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الزبداني - الفوعة وكفريا إلى إخراج الزبداني كلياً من الحرب السورية، وأنهى تلك البؤرة الإرهابية في خاصرة دمشق ولبنان، والتي كانت تصدّر السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني.
ولعل هذا الانقلاب الميداني هو ما حتّم زيارة الرئيس التركي إلى السعودية، لمحاولة تعويم المجموعات المسلحة في سورية، ودرس سبل إيقاف التقدّم الميداني السوري المدعوم جوياً من الروس، ويراهن أردوغان والملك سلمان على النجاح، مستندين في ذلك إلى نجاح الزيارة السابقة لأردوغان إلى السعودية في شهر آذار الماضي، والتي أدّت إلى تشكيل "جيش الفتح"، وحيث كان للتحالف السعودي التركي ضد الجيش السوري إنجازاته التي ذكرناها في مطلع الصيف الماضي.
فما هي أفق نجاح "مجلس التعاون الاستراتيجي" الذي تمّ إعلانه بين السعوديين والأتراك في الرياض؟
بداية، لا بد من التذكير أن تقاطع المصالح بين الرياض وأنقرة لا يعني بأي حال من الأحوال أن البلدين لا يتنافسان على الزعامة الإقليمية "السُّنية" لعالم إسلامي يمتد من المغرب العربي إلى حدود الصين، ويشتد في البؤر المشتعلة، وأهمها منطقة الشرق الأوسط.
ثانياً: يأتي إعلان "التعاون الاستراتيجي" في وقت يعاني البلدان من أزمات اقتصادية خانقة، فالسعودية ولأول مرة في تاريخها الحديث تعاني من عجز مالي خطير، قد يكون أحد أسبابه (وليس كلها) مصاريف الحرب في اليمن وسورية، أما الاقتصاد التركي فهو في أسوأ مرحلة له منذ مجيء "حزب العدالة والتنمية" إلى الحكم ولغاية اليوم، زد على ذلك أن العقوبات الروسية على تركيا ستبدأ نتائجها الفعلية تظهر مع بداية العام 2016، وهذا يعني أن التعاون الاستراتيجي بين البلدين لن يؤدي إلى تحسُّن في الوضع الاقتصادي لأي منهما.
ثالثاً: على الصعيد السياسي، إن إعلان "مجلس التعاون الاستراتيجي" بين تركيا والسعودية لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى تحسين الوضع السياسي لأي منهما، فالمشاكل الداخلية التي يعاني منها البلدان لا تنفع معها تحالفات عابرة للحدود، كما أن تحالف السعودية مع تركيا سيجعل دولاً عربية تبتعد عن المملكة، كمصر والإمارات وغيرها، وهو ما كان ولي ولي العهد السعودي يحاول تلافيه بعد إعلان "التحالف الإسلامي".
رابعاً: على الصعيد العسكري، وهو الهدف الفعلي لزيارة أردوغان للسعودية، فإن المأمول من التنسيق بين البلدين دفع المجموعات المسلحة في سورية إلى مواجهة التقدُّم السوري - الروسي، ومحاولة إطالة أمد الأزمة، وتحقيق مكاسب ميدانية تستطيع من خلالها الدولتان تحقيق مكاسب سياسية في أي حل مرتقب للأزمة السورية، محاولين تكرار تجربة "جيش الفتح" التي أدّت إلى نتائج عسكرية لصالحهما في مرحلة من المراحل، لكن التدخل الروسي عطّل مفاعيلها.
ويبقى السؤال الجوهري في هذا المجال وهو: هل باستطاعة هذا التعاون العسكري أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويشكّل ضغطاً على الجيش السوري، في ظل تعليق الأتراك طلعاتهم الجوية فوق سورية، وبعد أن فرض الروس مظلة جوية دفاعية فوق الأراضي السورية؟
في المحصّلة، آمال "مجلس التعاون الاستراتيجي" التركي السعودي لا تبدو أفضل مما سبقها من أحلاف عسكرية تمّ الإعلان عنها من قبَل السعوديين، ويمكن الاستدلال على الواقع العسكري للمجموعات المسلحة في سورية من خلال ردّ المكتب السياسي في «أحرار الشام» على زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني، الذي أكد أن المجموعات المسلحة، ومن ضمنها "جبهة النصرة"، "لا تسيطر إلا على أقل من 11.5 في المئة من الأراضي السورية، وقسم لا بأس فيه منها تحت الحصار الخناق والتجويع القاتل والقصف"، حسب قوله.