لم تعد الزراعة في لبنان مهنة مربحة نظرا لغياب بعض مشاريع الدعم الزراعي ولاحتواء العديد من المزروعات وفي أغلب الأحيان على سموم فطرية أقل ما يقال فيها إنها مسرطنة!
السموم الفطرية (Mycotoxins) هي مواد أَيْضِيَّة كيماوية سامة تفرزها الفطريات الخَيْطِيَّة ونجدها طبيعياً في عدد كبير من المنتجات الزراعية والنباتات، وتعتبر الأخطر على صحة الإنسان والحيوان. تقسم السموم الفطرية الى درجات حسب خطورتها بحيث تعتبر الأفلاتوكسين ب1 (Aflatoxine B1) والأفلاتوكسين م1 (Aflatoxine M1) الأشد خطورة إذ يأتي تصنيفهما من ضمن مسَرْطِناتْ درجة أولى من قبل المركز العالمي للأبحاث السرطانية (IARC) تليها الأوكراتوكسين "أ" (Ochratoxin A) المصنفة مُسَرطِنَة درجة ثانية وأحد أهم أسباب أمراض الفشل الكلوي في العديد من البلدان وأهمها البلقان وبعض الدول العربية وأهمها تونس.
رمي الطعام
السموم الفطرية تفرز بكميات متفاوتة حسب أنواع المزروعات وأماكن الزراعة لما للمناخ من تأثير في نسب التلوث الفطرية، ولكن ما يزيد الطين بلّة هو التلوّث البيئي والزراعة العشوائية وهما عاملان أساسيان في زيادة تلوث المزروعات بالفطريات الخيطية وبالتالي بسمومها. وهنا، يشير الدكتور في الهندسة الجرثومية والباحث في الجامعة اليسوعية أندريه خوري عبر "النشرة"، إلى أنّ "المشكلة تصبح أشدّ خطورة عند تخزين المزروعات وعدم مراعاة شروط التخزين المعتمدة عالمياً، بحيث تتكاثر الفطريات الموجودة أساساً بشكل كبير وتفرز هذه السموم بكميات هائلة، ما يجعل من استهلاك المواد الغذائية المصنعة من المواد الزراعية المخزّنة خطرا صحيا حقيقياً على صحة الناس، نظراً لإحتوائها على هذه السموم القاتلة التي تدخل جسم البشر عبر الأطعمة التي يتناولونها يومياً، فتجدهم بعدها ومع الوقت مصابين بأمراض سرطانية قاتلة وأهمها سرطان الكبد".
وإذ يؤكد خوري أن "وجود هذه السموم في المزروعات يعني وجودها في الطعام ولا يمكن إزالتها حتى عبر الطهو والحرارة المرتفعة، لانها كيماويات مقاومة جداً للحرارة"، يشدّد على أنّه "بات من الضروري تلف المواد الغذائية التي تحتوي على كميات من هذه السموم أعلى من النسب القصوى المسموح بها والمحددة عالمياً".
كما يلفت خوري إلى أنّ "التحاليل التي أُجْرِيَتْ في مختبرات كلية العلوم في الجامعة اليسوعية منذ سنة 2003 على الكثير من المواد الزراعية الأولية والأطعمة المصنفة من مشتقات القمح والذرة والعنب والتفاح والحليب والألبان والأجبان وعلف الحيوانات وبعض أنواع اللحوم أثبتت وجود هذه السموم في الكثير من هذه الأطعمة وبمعدلات تتخطى الحدود القصوى المسموح بها عالمياً"، كاشفاً أنه "تم العثور في كثير من الأحيان على العديد من هذه السموم الفطرية مجتمعة في نوع واحد من المواد الغذائية ما يضاعف المشكلات الصحية للمستهلك اللبناني".
تطوير وسائل المكافحة
الفرق البحثية في الجامعة اليسوعية تسعى الى تطوير طرق لمكافحة الفطريات الخيطية وسمومها نظرا الى عدم توفر الطرق الفعّالة حتّى اليوم. هذا ما يشير اليه خوري، لافتاً الى أن "من بين هذه الطرق المبيدات البيولوجية والتي ترتكز على أنواع من البكتيريا غير المؤذية للبشر تستعمل للرشّ على المزروعات وتكون كفيلة بإبادة الحشرات والفطريات الخيطية"، ويضيف: "هناك طرق أخرى لإبادة الفطريات تعتمد على بعض المواد الطيعبية المستخرجة من عدد من النباتات اللبنانية".
في المحصّلة، ولمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة، على الدولة بالحدّ الأدنى أن ترشد المزارعين وأصحاب المصانع للتخفيف من وجود هذه المواد السامّة عبر اللجوء الى طريقة زراعة واسلوب ريّ صحيحين وسليمين، وإلا فإنّ هذه المواد ستعيق حتى تصدير المزروعات التي وإن حوت هذه السموم فلن تستقبلها أي من البلدان وبالتالي فإن هذا يشكل خسارة على المزارع والدولة معاً.