في توقيت غير متوقع، جاء بعد تعيين السعودية لسفيرٍ لها في إيران، تم الإعلان عن إعدام الشيخ نمر باقر النمر من قبل الرياض، في خطوة لا يمكن فصلها عن التطورات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بالنسبة إلى الصراع المشتعل مع طهران، بسبب الخلاف حول الملفات السورية واليمنية والعراقية واللبنانية، بالإضافة الى الأوضاع داخل دول مجلس التعاون الخليجي نفسها.
في الفترة الأخيرة، كان الحديث عن إمكانية فتح ثغرة في الجدار الإيراني-السعودي هو الطاغي، خصوصاً بعد أن ظهرت مؤشرات على إمكانية حصول توافق بين الولايات والمتحدة وروسيا، يتعلق بالحرب المعلنة على المنظمات الإرهابية، وهو ما ترجم من خلال إنعقاد مفاوضات بين القوى اليمنية في جنيف، وكذلك صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدعم العملية السلمية في سوريا، بالإضافة إلى طرح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مبادرة رئاسية توافقية، تقوم بشكل رئيسي على تبني ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، لكن كل شيء الآن أصبح من الماضي.
من حيث المبدأ، لا يمكن أن تقدم السعودية على خطوة خطيرة من هذا النوع، من دون التنسيق مع بعض حلفائها، لا سيما الولايات المتحدة، على إعتبار أن الجميع يدرك أن تداعياتها ستكون كبيرة على منطقة الشرق الأوسط برمّتها، ما يعني أن واشنطن كانت تعرف جيداً ما يُحَضَّر في الغرف المغلقة، حتى ولو سارعت عبر وزارة خارجيتها إلى الإعراب عن قلقها، في مشهد يذكر بموقفها قبل إجتياح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت، لكن مع إختلاف جوهري في أوضاع الشرق الأوسط، خصوصاً أن النار مشتعلة في أغلب الدول.
إنطلاقاً من هذا الواقع ينبغي النظر إلى التطورات في المنطقة، حيث لا يمكن تجاهل إرتفاع منسوب التوتر المذهبي في أغلب البلدان، التي يجري العمل على إعادة رسم خارطتها على أساس خلق دويلات ذات طابع مذهبي وعرقي، وبالتالي يمكن الجزم بأن أبواب الحوار الإقليمي أغلقت بشكل كامل، على الأقل في الأشهر القليلة المقبلة، ما يعني تسعير الحروب المشتعلة لدرجة قياسية، بالإضافة إلى اللعب على خلق توازن بين القطبين البارزين، أي الرياض وطهران، في وقت تبدو باقي أركان النظام الإقليمي في ظروف أفضل.
في هذا السياق، تبدو إسرائيل مرتاحة إلى إنشغال كل دول الطوق في صراعات داخلية، ومصر عاجزة عن الخروج من أزمتها الداخلية، وسط تهديدات محيطة بها من ليبيا، وهي أصلاً غير قادرة على الخروج من العباءة السعودية، خصوصاً بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة بدعم من الرياض، أما تركيا فقد وجدت الفرصة مناسبة من أجل التقرب من الرياض، حيث تم الإعلان عن تشكيل مجلس إستراتيجي بين البلدين في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، قد يعوضها عن خساراتها الأوروبية، بالإضافة إلى إغلاق البوابة السورية أمامها بعد الدخول الروسي على خط الحرب.
على هذه الأسس، يمكن البناء للقول أن إعدام النمر جاء في وقت تحتاج فيه صورة الشرق الأوسط الجديد إلى صدمة كبيرة تدفعها إلى الأمام، الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان سريعاً عملية إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، التي أدّت إلى خروج الجيش السوري من لبنان، ومن ثم الإنطلاق في عملية محاصرة دمشق عبر سلسلة من القرارات الدولية، بدأت قبل تاريخ 14 شباط 2005 بالقرار الأممي رقم 1559، لكن التداعيات على المستوى الخليجي قد تكون أكبر مما هو في الحسبان، خصوصاً أن المنطقة الشرقية في السعودية هي في الأصل مشتعلة، بالإضافة إلى أن الأحداث في البحرين غير مريحة والحرب في اليمن تجري بعكس ما تشتهي السفن.
على صعيد متصل، كان من المُسَلَّم به أن السلام في المنطقة يحتاج إلى توافق سعودي-إيراني بالدرجة الأولى، لكن الرياض التي كانت متفوقة في السابق باتت تعاني بعد توقيع الإتفاق النووي مع طهران، التي نجحت في الوقت نفسه في مدّ نفوذها إلى أكثر من بلد عربي، ما يوحي بأن مرحلة الصدام بين الجانبين لا تزال في بداياتها، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى الإنفجار الشامل، لا سيما أن كلا من موسكو وواشنطن لن يسمحا بالوصول إلى ذلك، لكن الأكيد أن حروباً بالوكالة ستكون هي المسيطرة على المشهد، كمقدّمة لما هو منتظر في المراحل اللاحقة.
في المحصلة، المنطقة بعد الخطوة السعودية لن تكون كما قبلها، وهي قد تشكل فاصلاً زمنياً مهماً في المستقبل لقراءة الأحداث الراهنة، وتداعياتها لن تتأخر في الظهور في كل ساحة من ساحات الإشتباك السياسي والعسكري بين طهران والرياض.