قَدَرُ الجامعةِ اللبنانيّة، أنْ تَلاقي الإهتمامَ من مكان، والتجاهُلَ الموصوفَ من أمْكِنةٍ، فكلّما نادينا بإستقلاليّة الجامعة الوطنيّة، وطالبنا بإعادة الصلاحيَّات الى مجلسها، كلّما أمعنَ الأقربون والأبعدون، بممارساتٍ إنتقامية وضاغطة، للإبقاء على هذه المُؤَسَّسة الوطنية، العابرة للأحزاب والطوائف، في دائرة الحَجْر، خَوْفاً منها، لا خَوْفاً لا عليها...
نَعَم، انه قَدَرُ الجامعة، منذ إنطلاقةِ مسيرتها العلمية والبحثيّة ورسالتها الوطنية، في مطلع خمسيناتِ المئة التاسعةَ عَشَرة، حَيْثُ ضريبةُ الدّم، وعَرَقُ المظاهرات، وصُداحُ المطالبين بالحقِّ بالتعلّم، كان البابَ الرئيس لكلّ إنجازٍ، وَلَوْ كان ذلك الإنجاز بالتقسيط غير المُريح...
إنّ كيانيّةَ الجامعة البنانية، التي نؤكِّدُ عليها، كلّ وَقْتٌ، تحوّلتْ من شعارٍ نعتزُّ به، الى إرهاصٍ يُقْلِقُ ويُرْهِبُ المسؤولين وغيرهم، ذَلِكَ أن وظيفة الجامعة اللبنانية، وفلسفة نشوئها، ومسارها التطوّريٍّ والتحديثيٍّ، دفَعَ بغَيورينَ مَوْصوفينَ، للنظر اليها، حَسَداً أو تَحْجيماً، من باب تبنّي الأحقادَ سلفاً، أو من نافذة المزايدات وغَسْلِ الوَجْهِ، في أسواق التجارة والبازاراتِ الأكاديمية التي تزدهرُ طُفَيْلياً، على عتباتِ بعضِ المرجعيّاتِ السياسية والدينية والإقتصاديّة، التي ترى في إنشاء مؤسساتِ "أكاديميّة"، مجالاً واسعاً لتعزيز نفوذها، وتثميرِ رساميلها... بعيداً عن الهَمّ الوطني، والهدف البحثي.
وهذه الإطلاقات، بالأحكام، لا تنطبق ابداً على الجامعات اللبنانية العريقة التي لها أفضالٌ واسعة على لبنان والدول العربية، في حقولِ المعرفة والثقافة والفكر والعلوم...
وكلامنا على أحَقيّة الجامعة اللبنانية بالرعاية والعناية، لا يعني غضَّ الَطَرْفِ عن الإهتمام الرسمي بالمؤسسات التعليمية الخاصة، بَلْ القصْدُ الرئيس، هو حَضُّ المسؤولين، بكلِّ تنوّعاتهم، وإفرازاتهم، لأن ينتصروا للجامعة اللبنانية، ويُعْطوها حَقّها من (الحضانة) الرسمية...
والأمرُ الذي حرّضني أكثر على رَفْعِ هذه الصَرْخة، هو الخطأ الذي إقترفه (إتّحاد الجامعات العربيّة) الذي عُقِدَ في بيروت مؤخرًا، بغياب أو تغييب الجامعة اللبنانية، التي هي من أعرق واكبر الجامعات العربية، إطلاقا...
إنّ هذا الفِعْلَ غير الأكاديمي وغير المؤسساتي، هو بنظري (جُرْمٌ موصوفٌ)، ويحملُ إهانةً قَصْدِيّة لكلّ أهل وأصدقاء وموظّفي وطلاب وخرّيجي جامعة لبنان الرسميّة!
وبصفتي الأكاديمية، ومن حيثُ أنني عُضْوٌ في مجلس الجامعة، أجِدُ مَنْ واجبي أن أسأل، وأتهّم، نيابةً عن الجامعة، وإنتصاراً لكرامتها، وحِفْظاً لنقاوةِ صورتها... فأقول:
1- لماذا لَمْ تُدْعَ الجامعة اللبنانية، الى إجتماع اتحاد الجامعات العربية الذي عُقِدَ في لبنان؟
2- كيفَ يرضى ممثلّو الجامعات اللبنانية والعربية، أن تنعقد جلسات المؤتمر، بغياب الجامعة اللبنانية؟
3- لماذا لَمْ يتحرّكْ رئيس الجامعة اللبنانية، إعتراضاً، أو إستيضاحاً، وَلَمْ يَرْفَعِ الصوت بوجه مَنْ نظّمَ، ورعى، وتجاهلَ وإعتَدى، على منطق الحقّ وأصول التصرّف والبروتوكول؟
4- ما هو رأي وزير التربية والتعليم العالي، بصفته وزيراً للوصاية؟
5- ماذا تقول رئيسة وأعضاء لجنة التربية النيابية؟
- لماذا لَمْ ينتفِضْ مجلسُ التعليم العالي في لبنان، على هذه الوقاحة؟ وكيف غطّاها؟ ولماذا ؟ ولحسابِ مَنْ؟
6- ما هو موقف المديرية العامّة للتعليم العالي، من هذا التصرّف غير السليم؟
7- هلْ ستتخِذُ الجامعة اللبنانية موقفاً، من المشاركات المستقبليّة، في إجتماعاتِ الإتحاد، قَبْلَ الحصول على إجابات مُقْنِعة، وتصحيح الخطأ الذي حصلَ؟
هذه الخواطر الفجّة، إسْتَدْعتها، عصبيّةُ الإنتماء الى الجامعة، والإلتزام بقضيّتها، لا أكثر. ومن هذا الحقّ ، أَقْتَرِحُ:
1- توجيه سؤال رسمي الى رئاسة وأمانة الاتحاد العام الجامعات العربية، حول هذا الخطأ، حتى تُبْنى على الأمور مُقْتَضَياتها.
2- إبلاغ الوزارت المعنية في الدول العربية المشاركة في الاتحاد، بخطورة ما حصل، والطلب اليها إتخاذ موقف صريح من هذه القضيّة.
3- الطلب الى الهيئتين الادارية والعامّة، في الإتحاد الإعتذار علناً، عن الخطأ الذي حصلَ بِحَقّ الجامعة اللبنانية.
4- طلب عقد إجتماع إستثنائي، لمجلس الجامعة لبحث ما حصل، وإتخاذ الإجراءات اللّازمة بذلك.
5- وَقْف كلّ إتفاقات التعاون بين الجامعة اللبنانية واتحاد الجامعات العربية، الى حين تبيُّن الأمر بشكلٍ جَلِيّ وواضِح.