هل عاد الاستحقاق الرئاسي مجدداً إلى قعر البئر في ضوء ما استجد من تطورات فائقة الخطورة بين بلدين معنيين بالشأن اللبناني وكان يعوّل على لقائهما الكثير الكثير لحلّ الأزمات الداخلية لا سيّما الانتخابات الرئاسية أم أن ما جرى على خط العلاقات الإيرانية - السعودية لن يكون له التداعيات القوية على لبنان وبالتالي فإن التسوية الرئاسية ستبقى قائمة بانتظار حدوث تطوّر ماروني ما يحدّد مصيرها؟
من نوافل القول أن العلاقات بين طهران والرياض قد مرّت في ظروف مشابهة وأن العلاقات بين البلدين انقطعت أكثر من مرّة على مدى الأعوام السابقة لأسباب مختلفة، غير أنه سرعان ما كانت ترمّم الجسور وتعود المياه إلى مجاريها بين البلدين مهما بلغت حدّة التصعيد، ولذا فإنه من غير المستبعد أن تعود العلاقات إلى طبيعتها مجدداً وإن احتاج ذلك بضعة شهور نتيجة التبعثّر الحاصل في المشهد الإقليمي حيث لكل من الطرفين نظرته لما يجري، وبالتالي فإنه لا يمكن الجزم بأن الأبواب قد أوصدت بالكامل أمام تسوية الأزمة اللبنانية الداخلية لا سيما ما يتعلق منها بالانتخابات الرئاسية، إذ أن هذا الاستحقاق ليس مرهوناً بشكل العلاقات بين هذا البلد أو ذاك وإن كانت شظايا ما يجري تطاله غير أنها لا تقتله.
صحيح أن الظروف المستجدة ستجعل الاستحقاق الرئاسي يعود إلى النوم العميق بعد أن ظهرت بوادر تسويات في الأسابيع الماضية، غير أن أجواء التفاؤل لم تنعدم بالمطلق سيّما وأن المعطيات تؤكد بأن طبّاخي التسوية ماضون بها إلى حين حصول المناخات الملائمة لطرحها مجدداً من دون أن يعني ذلك أن البحث يتركز على إسم مرشّح واحد.
في هذا الإطار تؤكد مصادر سياسية أن ما استجد على مستوى العلاقات بين إيران والسعودية وما استتبع ذلك من سوء علاقات بين طهران وبعض الدول العربية لا شك أنه سيكون له تأثير سلبي على مسار المحاولات الجارية لإخراج الانتخابات الرئاسية من عنق الزجاجة، وبالتالي فإن هذا الاستحقاق قد عاد إلى مربّعه الأول وهذا مؤشر سلبي على ما ستكون عليه الساحة الداخلية في ظل الاحتقان الموجود داخلياً وفي المنطقة، وبالتالي فإن الجهد يجب أن ينصبّ حالياً على ثلاثة أمور لإحتواء تداعيات أي تطورات محتملة قادمة من خلف الحدود:
أولاً: العمل على تفعيل العمل الحكومي من خلال آلية تتفاهم عليها كافة القوى السياسية، سيّما وأن هناك ما يقارب الـ800 بند عمل في الأدراج.
ثانياً: إبقاء الحياة في الحوار الثنائي والموسّع كونهما يشكّلان النافذة الوحيدة للقاء الأقطاب السياسيين في ظل الفراغ والشلل الحاصل في المؤسسات.
وثالثاً: تشريع أبواب المجلس النيابي مجدداً أمام العمل التشريعي حيث أن هناك الكثير من مشاريع واقتراحات القوانين موجودة على رف الانتظار.
وفي رأي المصادر أنه من الخطأ تعليق عمل المؤسسات بانتخاب الرئيس لأن هذا الاستحقاق ربما يطول أمد إنجازه وأن الاستمرار بالسلوك السياسي الراهن سيكون له تداعيات خطيرة على الوضع اللبناني برمّته ولن يكون هناك طاقة لأي فريق على تحمّل تبعاته.
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن الرئيسين نبيه برّي وتمام سلام لن يتركا الأمور «فلتانة» على غاربها وهما ربما يلتقيان في الأيام القليلة المقبلة لوضع خارطة طريق جديدة إن على مستوى عمل الحكومة أو المجلس والحؤول دون تمدد الفراغ والشلل إلى ما تبقى من مؤسسات خصوصاً وأن بعض الدبلوماسيين اعربوا عن استغرابهم من ترك الوضع الداخلي على هذا النحو وهم جددوا الدعوة إلى التعامل مع الواقع الراهن والانصراف إلى ترتيب الشأن الداخلي بقدر المستطاع، كون أن أزمة الانتخابات الرئاسية ربما تمتد إلى أشهر إضافية وبالتالي لا يمكن تجميد الوضع على ما هو عليه إلى ذاك الحين.
وترى هذه المصادر أن الأفق الخارجي الذي كان يعوّل عليه في المساعدة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي هو الآن شبه مقفل، وأن السبيل الوحيد المتاح في المرحلة الراهنة هو لبننة هذا الاستحقاق من خلال جلوس الأقطاب المسيحيين وجهاً لوجه والتفاهم على تسمية مرشح بمباركة بكركي، وفي حال تعذر هذا الأمر فإنه من سابع المستحيلات أن نرى رئيساً في قصر بعبدا في المدى المنظور الا إذا حصلت معجزة وهذا أمر مستبعد.
وإذا كانت المصادر تستبعد وصول الاحتقان الداخلي إلى أي احتكاك في الشارع باعتبار أن المظلة الدولية والإقليمية ما تزال في الأجواء اللبنانية على الرغم مما يجري على المشهد الإقليمي، فإن ذلك لا يسقط من الحسابات إمكانية ارتفاع منسوب التراشق الكلامي خصوصاً على جبهتي «حزب الله» و«المستقبل»، غير ان المطمئن في هذا المجال إصرار الطرفين على استمرار الحوار حيث لم يبدِ أي طرف رغبة في تجميد أو إلغاء الحوار الثنائي المحدد موعده الاثنين المقبل، وقد ظهر في موازاة ذلك إصرار من الرئيس برّي على هذا الأمر، وهو قد أبلغ أمس رئيس المجلس الماروني وديع الخازن بأن التطورات الأخيرة في المنطقة لن تُعرّقل هذا الحوار وانه ليس مستعداً التخلي عن الحوارين الثنائي والموسع وترك الساحة للتوترات.