منذ إنفجار الخلافات السعودية الإيرانية على مستوى المنطقة، بعد إعدام الشيخ نمر النمر، سارعت بعض القوى الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية إلى عرض وساطتها بين الجانبين، نظراً إلى إنعكاس الصراع بينهما على الأمن والإستقرار في الشرق الأوسط، الأمر الذي تستفيد منه على نحو غير مسبوق الجماعات الإرهابية المتطرفة، التي تسعى إلى توسيع نفوذها إلى أماكن جديدة.
من بين الدول الفاعلة في الأزمات المشتعلة، قد تكون الولايات المتحدة الأميركية الوحيدة التي لم تَرَ في التوسط بين طهران والرياض أولوية بالنسبة لها، ما يعني أن واشنطن لا تعتبر أن مصالحها مهددة بسبب الخلاف بين الجانبين، بالرغم من إعلانها، في أغلب المناسبات، أنها تسعى إلى إنهاء الصراعات الدموية في الشرق الأوسط بالطرق السلمية.
وفي حين تعتبر مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن من غير المنطقي تحميل القوة الأكبر على مستوى العالم كامل المسؤولية عما يجري في المنطقة، تؤكد بأن موقفها هذا يثير الريبة، نظراً إلى أن الجميع يدرك بأن لا حلول سلمية من دون تفاهم سعودي إيراني على الخطوط العريضة بالحد الأدنى، في مقابل إستمرار الحروب نتيجة الخلافات بينهما، وتسأل: "كيف تضع واشنطن على رأس قائمة أهدافها الأمن والسلام في الشرق الأوسط، ولا تجد بالخلاف بين طهران والرياض ما يهددهما؟"
وتشير هذه المصادر إلى أن من غير المنطقي الحديث عن أن الحل، وفق الرؤية الأميركية، يكون من خلال إطلاق حوار ثنائي بين المسؤولين السعوديين والإيرانيين لمعالجة الخلافات بينهما، خصوصاً أن هذا الأزمة تهدد باشعال حروب مذهبية وعرقية لا أفق زمني لها، بل هي تملك كل أدوات الإستمرار سنوات طويلة، مع العلم أن فرص التلاقي الثنائي شبه معدومة، منذ ما قبل إعدام النمر والإعتداء على الممثليات الدبلوماسية السعودية في إيران، وبالتالي ليس هناك من إمكانية لتحقيق هذا الهدف بأي شكل من الأشكال، من دون بذل جهود إقليمية ودولية على أكثر من صعيد.
طوال الأشهر السابقة، تم الحديث عن رغبة واشنطن بالخروج من الشرق الأوسط، لكن بعد ترتيب أوضاعه على نحو لا يضر بمصالحها الإستراتيجية، وفقاً لمعادلة تُصر عبرها على عدم تكرار تجربة نشر عدد كبير من قواتها العسكرية في المنطقة، لكن كيف يكون ذلك في ظل الحروب القائمة، التي لا يملك أحد القدرة على التكهن بالصورة التي ستظهر عند وضع حد لها؟
تنطلق المصادر المتابعة من هذه المعطيات، لتوضح أن معالم السياسة الأميركية الحالية تقوم على نظرية، إبقاء الوضع على ما هو عليه راهناً بانتظار ظروف أفضل، أي أنها لا تستعجل إنهاء الحروب المشتعلة، التي تؤمن لها محاصرة النفوذ الإيراني، عبر الدول العربية والإسلامية، من دون أن تكون مضطرة لدفع أي تكاليف تذكر، والأمن الإسرائيلي، الذي هو أولوية بالنسبة لها، عن طريق حرف البوصلة عن تل أبيب، بعد أن كانت منعتها في السابق من الدخول على خط المواجهة، عبر توجيه ضربة عسكرية لطهران، على خلفية برنامج الأخيرة النووي.
على صعيد متصل، هي تؤمن لها إستمرار حصولها على براميل النفط بأسعار متدنية وتصريف إنتاج مصانعها من الأسلحة، نظراً إلى حاجات القوى المتصارعة إليها بسبب إعتمادها خيار المواجهة، إلا أنها تريد أن يبقى ذلك ضمن خطوط عريضة تمنع الصدام المباشر، الذي لن يكتب له الإستمرار طويلاً، ما يعني عملياً إستمرار النيران المشتعلة في الشرق الأوسط، من دون أن تجد من يعمل على إخمادها، وبالتالي بقاء كل مساعي حل الأزمات، من اليمن إلى سوريا وصولاً إلى العراق ولبنان، بطريقة سلميّة معلقة، بانتظار تبدل المعطيات الحالية نحو أخرى تكون أفضل، ربما تساعد على إعادة ترسيم الشرق الأوسط من جديد وفق المعادلات الراهنة، التي تؤكد إنتهاء مفاعيل إتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، لا تستطيع واشنطن بمفردها، من حيث المبدأ، رعاية حوار إيراني سعودي ناجح، لكن موقفها قد يكون الأهم بالنسبة إلى القوى المؤثرة في المنطقة، وترى أن الأشهر المقبلة قد تؤدي لولادة مجموعة دعم دولية لمعالجة الخلاف الحالي، بعد أن تكررت التجربة في أكثر من ملف.
في المحصلة، لا تزال الأمور على حالها بل هي تذهب من تصعيد إلى آخر، لكن النهاية ربما تكون على قاعدة "إشتَدِّي يا أزمة تنفرجي"، بالرغم من غياب المعطيات التي تشير إلى ذلك حتى الآن.