بعد أقل من عامٍ على بدء التقارب بين التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية، تحوّلت العلاقة بشكل متسارع بين «العدوّين» السابقين إلى ما يشبه التحالف. فالتقارب الذي خرج إلى النور مع «ورقة إعلان النوايا» وبنودها الـ16 في 2 حزيران الماضي، لم يكن «مجرد خطوة تكتيكية بقدر ما هي خطوة على مستوى أكبر، وتاريخية» كما «تنبّأ» رئيس القوات سمير جعجع يومها.
واليوم، تكاد «النبوءة» تصدق، مع تلويح «الحكيم» بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مع حماسة زائدة للأمر يبديها النائبان جورج عدوان وأنطوان زهرا وإيلي براغيد مدير مكتب جعجع.
ومع أن «مبادرة» الرئيس سعد الحريري إلى دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية سرّعت من وتيرة تحويل «ورقة إعلان النوايا» إلى خطوات «عملانية»، إلّا أن ما يؤكّده القواتيون والعونيون على حدٍّ سواء، هو أن التقارب، وما قد ينتج عنه مستقبلاً، لا يرتبط بالمبادرة الحريرية حصراً.
«في اللحظة الراهنة هناك تفاهم كبير بيننا، ونحن في مراحل متقدمة من العلاقة. ولا شيء يمنع من الوصول إلى تحالف» يقول لـ«الأخبار» النائب إبراهيم كنعان المكلّف متابعة التواصل مع «موفد جعجع إلى الرابية» ملحم رياشي، مذكّراً بكلام عون عن ضرورة «أخذ العبر من الماضي، من دون أن نعيش فيه لنستطيع أن نبني المستقبل»، وهناك «قناعة مشتركة بين الحزبين لطي صفحة الماضي».
آثار «التفاهم» تنعكس، بشكل تدريجي، على القواعد الشعبية للطرفين. ويأتي الحديث عن إمكانية إجراء الانتخابات البلدية بمثابة اختبار أوّلي لما قد ينتجه التفاهم في المناطق، بعد معارك «كسر العظم» التي ظلّلت الانتخابات البلدية السابقة. وفيما لا تنفي مصادر القوات أو التيار إمكانية التحالف في النقابات والجامعات، يؤكّد أكثر من مصدر أن التحالف سيكون العنوان الأبرز في أي انتخابات نيابية مقبلة، بمعزلٍ عن الاتجاه الذي يسلكه الاستحقاق الرئاسي.
لا ينعكس مستوى التفاؤل الذي يبديه الطرفان حول «شبه التحالف» بينهما على حلفاء الفريقين. فالنواب المسيحيون «المستقلون»، وحتى حزب الكتائب، يدركون جيّداً معنى تحالف القوتين المسيحيتين الرئيسيتين، لأن أولى نتائجه ستكون على حسابهم، وهم جهروا بقلقهم ممّا يحاك بين الرابية ومعراب، رغم انتقادهم خطوة الحريري. إلّا أنه في المقابل، لا تزال قوى 8 آذار تلتزم الصمت حيال خطوات عون المتسارعة نحو الخصم الأبرز لمحور المقاومة في لبنان، خصوصاً حزب الله المتمسك بعون مرشحاً وحيداً.
أن يعلن جعجع ترشيح عون، بما يعنيه الأمر من دعم الأول لخيارات الثاني السياسية، يبدو أمراً مرحّباً به لدى قوى 8 آذار، فهو إعلان «إفلاس» لخيارات الفريق الآخر السياسية وهشاشة تحالفاته. لكنّ ذلك لا يعني التزام قوى 8 آذار بتحالفات الجنرال الذي لم يضعها في تفاصيل تفاهماته مع جعجع مكتفياً بالعناوين العامة، وخصوصاً أن ورقة التفاهم بين التيار وحزب الله لم تلحظ تحالفات الفريقين ولم تلزمهما بمعيار واضح للتحالفات. كما أن الأكيد أن أحداً في 8 آذار أو في حزب الله، لا ينظر بعين الرضا إلى قيام تحالف بين عون وجعجع، طالما أن الأخير لا يزال على خياراته السياسية «القديمة ــ الجديدة»، وطالما بقيت صورته لدى هذه القوى «كقاتل لرشيد كرامي وطوني فرنجية وأحد المسؤولين عن مجزرة صبرا وشاتيلا».
في أكثر من صالون سياسي، يدور الحديث عن أن فكرة التحالف القواتي ــــ العوني ملازمة لما كان يطرحه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن ضرورة وصول المسيحيين إلى ثنائية مشابهة للثنائية الشيعية، وبذلك يكون «المسيحيون قد تحرّروا من الالتزام بخيارات القوى السياسية الأخرى السنية والشيعية». أوجه المقارنة لا تبدو مقنعة لفريق 8 آذار، فالخيارات السياسية بين حزب الله وأمل متقاربة إلى حدٍّ كبير، على رغم حيّز التمايز الذي يملكه الرئيس نبيه برّي، بينما هي متناقضة عند عون وجعجع. كذلك فإن تقاسم القرار السياسي الشيعي، لا يعكس تقاسم السلطة والحصص الشيعية في النظام اللبناني، وهذا يعاكس ما يتسربّ لقوى 8 آذار عن أن «التحالف» العوني ــ القواتي سيفضي إلى تقاسم لحصص المسيحيين في النظام بينهما.
قبل أيام، طلب جعجع خلال لقاء عبر الانترنت من ممثلي القوات في الخارج «تخفيف الضغط على التيار» كما تؤكّد مصادر متابعة لأجواء معراب. وبحسب المصادر فإن جعجع يطمئن القواتيين إلى أن التحالف أو حتى الترشيح «لا يخدم عون بل سيزيد الشرخ مستقبلاً داخل التيار، لأن مرحلة ما بعد عون ستفكك التيار من الداخل، وعندها نرث الشارع المسيحي».
«وراثة التيار»، وبالتالي الشريحة الأكبر من المسيحيين، تشكّل جزءاً من القلق الذي تشعر به قوى 8 آذار. وبحسب أكثر من مصدر، فإنّ «ما يقدّمه جعجع لعون لا يقارن بما سيرثه في المستقبل، لأنه، رغم قلقه من دور ما لشامل روكز، مقتنع بأن التيار لن يبقى متماسكاً بعد عون، ولن يستطيع جبران باسيل أن يحافظ عليه، فيما يملك هو حزباً منظماً». وتضيف أن «جعجع مقتنع بأنه حتى لو أعلن ترشيح عون، فإن تيار المستقبل سيمنع وصوله إلى الرئاسة، وبذلك يكسب شعبياً لتنازله عن ترشيحه، ويكرس معراب ممرّا للرئاسة، بعد أن كرّس نفسه الرجل الثاني الأقوى مسيحياً من خلال ورقة إعلان النوايا».
وتذهب أكثر من شخصية في قوى 8 آذار بعيداً في توصيفها، بالقول إن «التقارب المسيحي يعيد تموضع القوى السياسية عامة». وتوضح أن «التكتل المسيحي ولو كان يرضي جزءاً كبيراً من الجمهور، لكنّه يعيد تشكيل خارطة القوى السياسية في البلد على نحو جذري، وهو يذكّر بالانقلاب السياسي الذي قادته القوى المسيحية في نهاية حرب السنتين». وتتابع أن «توحيد القرار المسيحي تحت عنوان الوصول إلى السلطة في هذا التوقيت يبدو مخيفاً، في ظلّ ما يحصل من تفكّك وانهيار ومشاريع التقسيم التي تعصف بالإقليم».
وفيما يقول كنعان إن «في حال أي تقارب في الخيارات السياسية مع القوات سنعلن عن الأمر، وفي حال وجود خلاف نتنافس بكل ديموقراطية»، تسأل مصادر 8 آذار: «من سيقرّب مَنْ من خياراته السياسية؟ جعجع أو عون؟». وتشير إلى أن «المرحلة المقبلة ستشهد ضغطاً أكبر على محور المقاومة في لبنان إن من خلال القرارات المالية لحصار جمهور المقاومة وإن من خلال الضغط السياسي والأمني وتزايد التهديدات الإسرائيلية، وبالتالي أين سيكون موقع جعجع في هذه المعركة؟».