وأخيراً قال العرب كلمتهم وتوحّدوا واستشاطوا غضباً وأعلنوا أنهم ضد التدخل الإيراني في شؤون العرب، وأنهم تحمّلوا الكثير منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كما صرح الوزير الإماراتي، فتنافخوا شرفاً وشحذوا كل خناجرهم، فـ"العرض العربي يصونه الرجال خوفا من إيران، ويحمي العرب من غنائم الاحتلال الإسرائيلي والغزو الأميركي والنهب الغربي".
لقد صار للسعودية "جامعة عربية" و"مجلس تعاون خليجي"، و"مجلس تعاون استراتيجي" مع تركيا، و"تحالف عربي" ضد اليمن، و"تحالف إسلامي" ضد إيران، وتفاهم مع "إسرائيل" وفاءً لمؤسس المملكة الذي وافق على إعطاء فلسطين لـ"المساكين اليهود"، فشكرته "حماس" وانسحبت من خندق التحالف مع محور المقاومة، والتحقت بالمحور القطري - التركي - السعودي.
"الجامعة السعودية العربية" تستيقظ وتعلن أن إيران عدو العرب وليست "إسرائيل"، لأنها تتدخل في شؤون الدول العربية، فنسوا التدخل العسكري التركي في العراق، والذي استمر رغم أنوفهم، ونسي العرب التدخّل التركي في سورية عسكرياً وسياسياً ولصوصية، ونسوا أيضاً التدخّل التركي في مصر، لكن تركيا حليف أميركا، وحليف "إسرائيل" الاستراتيجي، بينما إيران حليف العرب المسلمين ضد "إسرائيل" وأميركا.
لقد صدق الوزير الإماراتي عندما صرّح بأن المشكلة منذ انتصار الثورة الإسلامية التي أغلقت السفارة "الإسرائيلية" وافتتحت سفارة فلسطين كأول سفارة فلسطينية، فأحرجت العرب، وخسرت "إسرائيل" حليفاً قوياً هو شاه إيران الذي كان العرب يقبّلون يديه ويسكتون عن الجزر الإماراتية التي أصبحت تحتلها إيران عندما صارت إسلامية، ونقض صدام بالدعم العربي اتفاقية الجزائر وشطّ العرب مع إيران، وشن حرباً دمّرت العراق وإيران مدة ثماني سنوات، بتمويل عربي وتحريض مذهبي.
إما أن تصالح إيران العدو "الإسرائيلي" وتمتنع عن شعار تحرير فلسطين ودعم حركات المقاومة، أو فلتنتظر كل شيء من العرب بتكليف "إسرائيلي" - أميركي، فـ"الجامعة السعودية العربية" شرّعت اغتصاب ليبيا من "الناتو"، مع العلم بعدم وجود تدخل إيراني أو "شيعي" في ليبيا، التي ما زالت تحترق بعد قتل القذافي، ويحرقها العرب و"الناتو".
"الجامعة السعودية العربية" التي رحّبت بتقسيم السودان، لم تنتبه إلى أن "إسرائيل" تحتل فلسطين والجولان وشبعا، وإن انتبهت فليس ذلك تدخّلاً، وإن اعتبرته تدخّلاً صمتت بسبب الخوف من "إسرائيل"، والولاء الأميركي.
لم تستنكر "الجامعة السعودية العربية" التدخّل العسكري السعودي في اليمن، وقتل شعبه وتدمير حضارته وغزو أرضه، بل دانت الشعب اليمني واتهمته بالولاء لإيران، لدفاعه عن نفسه.
لم تتدخل الدول، ومنها السعودية وقطر وتونس في سورية، وهم يطلقون تحذيراتهم بعدم بقاء الرئيس الأسد، ويقررون نيابة عن الشعب السوري.. أحرقوا سورية، واشتروا المعارضين وقسّموهم على الدول لحجز حصتهم في الحكم والنظام المقبل في سورية؛ وفق ما يعتقدون ويحلمون.
المال السعودي يشتري المعمَّمين والكُتّاب، والأمراء والرؤساء، والمتعصبين والأحزاب، والدول والمؤسسات، بما فيها مجلس حقوق الإنسان، لتكون السعودية زعيمة العرب بعد الرئيسين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، وقد نجحت بالمال في جعل التكفير بديلا عن الفكر والمقاومة، وتقود العرب وتستدعيهم كما يستدعي "الملك" خدمه، بعدما أعلنت الحرب على اليمن دون استشارتهم، فيرفعون أيديهم وتلقي عليهم المليارات فيلتقطونها، ثم تستدعيهم إلى القاهرة وتعلن الحرب على إيران باسم العرب وباسم "أهل السُّنة"، وتكفّر إيران ومن معها سياسياً ودينياً، وتعلن "الحرم الملكي" ممنوعاً على كل "السُّنة" الذين لا يدخلون في الفتنة.
لقد تميّز لبنان عن سائر ما تسمى الدول، واستطاع أن يحتفظ بكرامة البلد، فلا يُشترى ولا يُباع كما كل الدول والرؤساء، وقبل السعودي بذلك مرغماً، فيده في لبنان مغلولة، ولا يستطيع المغامرة بمصالحه، ولم يتبقّ له إلا بعض لبنان.
هللوا.. لقد استيقظت "الجامعة السعودية العربية" وصوّبت البنادق نحو إيران، فلينعم أهل فلسطين بالأمن، فقد حماها العرب من إيران، ولن يسمحوا لها بإرسال السلاح إلى غزة، فاطمأنوا وأوكلوا فلسطين لليهود الصهاينة، ووافق الفلسطينيون في "الجامعة" على هذا الإنجاز.. فهنيئاً لهم نكاية بالمقاوم نشأت ملحم، الذي تمرّد على التهدئة والذل والمقاولة الفلسطينية، وثأر للأقصى ولفلسطين بعيداً عن "الجامعة السعودية العربية".
بيانات "الجامعة" لن تُسمن ولن تُغني عن جوع عربي للكرامة، سوى أنها ورقة التوت التي تتستر بها السعودية وأميركا لضرب إيران ثأراً من النووي الإيراني والفشل السعودي.