لطالما عاشت مجتمعات على طباع مشتركة، أو على مهن متوارثة، أو على زعامات متوالدة. لكن، لم يحصل أن بنت ثورة نفسها على روح تتناقل بالدم جيلاً بعد جيل. ولم يكن بالإمكان رصد بيئة أو مجتمع صغير يقبل التحدي نفسه، موتاً بعد موت، والموت هنا قتل لا غير ذلك.
لم يكن أحد ليهتم أصلاً إن كان لعماد مغنية ذرية، أو ما كان أحد ليهتم لو ظل الصمت الذي أطبق على العائلة الصغيرة لعقود، وامتد الى جيل آخر. ولم يكن أحد ليغضب لو أن الأبناء نالوا ما تخلى عنه الأب بسبب موقف وقضية. ولم يكن ليظهر على وجه الارض من له حق سؤال هؤلاء عن بقية حياتهم.
ولأن المسألة لم تكن، ولم تعد، ترتبط بوراثة مجد أو استثمار عز الآباء، كان لا بد لسر هذه الطينة من البشر أن يستمر. وكان منطقياً أن يدرك العامة أن جينات ودماءً لا تعيش خارج سياقها الروحي والعقلي، وأن الثقافة اليومية ليست فصلاً دراسياً يمكن تجاهله بعد حين، بل هي هوية متكاملة، تجعل الانتماء الى هذه المدرسة أمراً طبيعياً. لكنه أمر طوعي، وتلقائي، وأكثر من ذلك، إنه انتماء المدرك بأنه يمثل البقية التي لا مجال لمحو ذكرها.
في حالة جهاد، ابن عماد مغنية، الامر يتعلق بتحديات بديهية. يتعلق بالقدرة على التكيف مع وقائع ما بعد الظهور الى الضوء، حيث تسيطر المغريات على كل شيء. النجومية، الألفة والمحبة والمحاباة، وفيها أيضاً التمييز لأجل الراحل، وفيها أكثر من كل ذلك، الاستعداد لمنحه كل ما حُرم منه والده.
عاش جهاد فرصة التمتع بما يمكن اعتباره امتيازات «ابن الشهيد الكبير»، لكنه لم يتأخر حتى كتب وصيته، وأودعها في جيب أخيه، لا في درج غرفته. ولم يتأخر في انتزاع قرار الموافقة على العمل في مواجهة العدو ذاته الذي قاتله والده ربع قرن ولم يستسلم. وهو لم يكن ولداً يجهل موجبات ما يفعل. بل ربما كان مدركاً، أكثر من المتوقع، لحتمية المواجهة المباشرة، ولذلك لم يتأخر في تنفيذ عمليات عسكرية في الجولان المحتل. وعندها كان يعي، تماماً، أن دمه صار في كفه، وأن الاستشهاد مسألة وقت.
في حالة جهاد، ثمة خيط لا يقطعه موت أو رصاص. في حالته، اقتفاء للأثر جيلاً بعد جيل. وفي حالة جهاد، سرّ نجاحات مقاومة ستبقى الأكثر إيلاماً لعدو بات عدة أعداء!