منذ لحظة توقيع الإتفاق النووي الإيراني، بين الجمهورية الإسلامية والدول الكبرى، كان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بدور طهران بالمنطقة في المستقبل، أي مرحلة ما بعد رفع العقوبات عنها، في ظل المخاوف التي عبّرت عنها بعض القوى الإقليمية الفاعلة، لا سيما السعودية وإسرائيل، والإنتقادات التي وجهت إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال تحميله مسؤولية التداعيات التي قد تترتب، وسط الصراع القائم في الساحات المشتعلة، لكن على ماذا كان يراهن للإقدام على هذه الخطوة الحساسة؟
في الوقت الراهن، يطرح المراقبون مجموعة من السيناريوهات المحتملة، التي تتوقف بمجملها على نتائج الإنتخابات المقررة في إيران، الشهر المقبل، لمجلسي خبراء القيادة والشورى، فهل تكون طهران في المرحلة المقبلة أكثر مرونة أم تشدداً في علاقاتها الخارجية على مستوى الشرق الأوسط؟
الإجابة على هذا السؤال هي الأصعب في الوقت الراهن، تتداخل فيها معطيات خاصة بالوضع الإيراني الداخلي، حيث الصراع بين التيارين "الإصلاحي" و"المحافظ"، وبالوضع الإقليمي المتأزم بعد إنفجار العلاقات الإيرانية السعودية على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر، بالتزامن مع بروز مؤشرات أخرى في العلاقة مع الولايات المتحدة، تنطلق من عملية إحتجاز البحارة الأميركيين في المياه الإقليمية الإيرانية، التي تم حلها سريعاً عبر القنوات الدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى القرار الأميركي القاضي بفرض عقوبات على طهران بسبب برنامجها الصاروخي.
في هذا السياق، يوضح المحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده، في حديث لـ"النشرة"، أن لدى الجمهورية الإسلامية إستراتيجية ترتكز على ضرورة إستتباب الأمن في المنطقة، في حين أن هناك دولاً عربية وغربية لعبت دوراً تخريبياً في سوريا واليمن والعراق في الفترة السابقة، ويؤكد بأن بلاده لا تريد الدخول بأي صراع بل تريد الإستقرار في الشرق الأوسط، ويشدد على أنها ستوظف خباراتها في هذا المجال لمعالجة الأزمات القائمة.
ويكشف زاده عن مباحثات جرت بين طهران وبعض الدول الغربية، حول ضرورة إيجاد مخارج سلمية لبعض الملفات العالقة، لكنه يشير إلى أن السعودية كانت تلعب دوراً سلبياً على هذا الصعيد، عبر العمل على عرقلة مسار المفاوضات، ويوضح أن لدى طهران مجموعة من الخطوط الحمراء، تبدأ من الأزمة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، وتشمل السعي إلى تسوية سليمة في اليمن، بمشاركة جميع القوى من دون تدخل جهات خارجية.
من وجهة نظر السفير اللبناني السابق في الولايات المتحدة رياض طبارة، السؤال المطروح اليوم يعود إلى أن طهران ستحصل على كمية من الأموال التي من غير المعروف بعد كيف ستصرف، هل في عملية التنمية الداخلية، إقتصادياً وإجتماعياً، أم في تغذية الميليشيات التابعة لها في المنطقة، ويلفت إلى أن الجواب يتوقف على الإنتخابات التي ستجري الشهر المقبل، حيث الصراع الحقيقي بين "المتشددين"، بزعامة "الحرس الثوري"، و"الإصلاحيين" برئاسة الرئيس الحالي حسن روحاني.
وفي حين يؤكد، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه الأموال لن تصل اليوم أو غداً بل بعد الإنتخابات المذكورة، يشير طبارة إلى أنه في حال فوز "الإصلاحيين" ستكون وجهتها التنمية الداخلية، أم في حال فوز "المتشددين" ستنفق على المليشيات، ويرجح حصول حلحلة بالعديد من الملفات على مستوى المنطقة في حال فوز التيار الأول، حيث سيكون هناك توجه إنفتاحي نحو عودة إيران إلى المجتمع الدولي وفق شروط الأخير.
من جانبه، يعترف زاده بالصراع بين التيارين السياسيين المذكورين، "المحافظ" و"الإصلاحي"، لكنه يشير إلى أن الحكومة تريد أن تمسك العصا من النصف، أي أنها تريد الوفاق بينهما، ويؤكد أن وجود المؤسسات السياسية والمدنية لا يلغي فكرة أن الأمور تعود في نهاية المطاف إلى المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، الذي تبقى له الكلمة الفصل في ما يتعلق بمختلف الأوضاع الداخلية والخارجية، وبالتالي ليس هناك من خوف على الأوضاع الداخلية في البلاد، ويؤكد أن التوجه هو نحو التعامل الإيجابي مع الخارج مع الحفاظ على الإستقلال والسيادة الداخليين.
في ظل هذه التحولات، يبقى السؤال عن الرؤية الأميركية لها هو الأهم، نظراً إلى أن واشنطن لا تزال هي اللاعب الأبرز في الشرق الأوسط، حيث يعتبر طبارة أن الموضوع يتعلق بشكل أساسي بشخصية الرئيس الحالي باراك أوباما، الذي يرى أن ما تحقق يشكل إرثاً في نهاية عهده، ويضيف: "من وجهة نظر أوباما، الإتفاق يشجع الإصلاحيين ويعطيهم قوة دفع داخلية، ربما تساعد النظام الإيراني على التحول من المواجهة إلى الإندماج في المجتمع الدولي"، لكنه يشير إلى أن أحداً لا يستطيع أن يتوقع نجاح هذا الرهان أو فشله في الوقت الراهن.
في المحصلة، الأشهر المقبلة ستكون مصيرية على مستوى المنطقة، سيتم التركيز فيها على الأوضاع الداخلية الإيرانية بشكل أساسي، بالإضافة إلى علاقاتها الإقليمية والدولية.