لن يعلن الرئيس نبيه بري موقفاً معارضاً للاتفاق بين العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع. وهو ينفي أي كلام منسوب إليه يعارض فيه رأي «الأكثرية المسيحية». لدى استقباله الوزيرين جبران باسيل والياس بو صعب أول من امس، أسمعهما اللاموقف: بارك التقارب العوني ــ القواتي، ولم يعلّق في العمق على المستجد الرئاسي، محيلاً إياه على المكتب السياسي لحركة أمل ومجلسها الرئاسي.

لكن موقف بري الحقيقي، بحسب عارفيه، لا يختلف عن رأي تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط. أركان نظام الطائف يفضّلون النائب سليمان فرنجية على ميشال عون. هي «نقزتهم» من ورثة المارونية السياسية. وهي خشية تيار المستقبل من خسارة بعض مكاسب عهد الوصاية السورية. وهو إرث الحرب الأهلية الذي يجعل سمير جعجع خصماً دائماً، إن لم يكن عدواً، لبري وجنبلاط. يبدو بري أشدّ المتحمسين لسليمان فرنجية. عدم الارتياح لمشهد معراب ضاعف حماسته للنائب الشمالي. يقول زوار رئيس المجلس إنه لا يرى ترشيح عون من معراب ترشيحاً لزعيم لم تمنحه السنوات العشر الماضية طريقاً إلى قلب بري وعقله. بل هو ترشيح مبني على اتفاق سياسي بين القوات والتيار البرتقالي، «لا يهدف جعجع من خلاله إلا إلى استهداف حزب الله وما يسميها «الشيعية السياسية»». تلفت المصادر إلى أمرين: تركيز رئيس القوات على استمراره في «مواجهة الوصاية»، وذكره منع تهريب السلاح والمسلحين من لبنان إلى سوريا. وفي النقطة الأخيرة، تسأل المصادر: هل علينا الوثوق بجعجع، بنية حسنة، والقول إنه يتحدّث عن مسلحي المعارضة السورية وسلاحها؟ هذا السؤال كان قبل أن يُعلن رئيس القوات أمس أنه حاول إعلان ترشيح عون يوم 15 كانون الثاني ليتزامن مع الذكرى الثلاثين لانتفاضته في وجه الاتفاق الثلاثي (الذي رعته سوريا بين بري وجنبلاط وإيلي حبيقة عام 1986). لا شك في أن هذا الكلام يثير حساسية إضافية لدى كل من بري وجنبلاط، ويمنحهما المزيد من الوقود للتعبير عن رفضهما لمبادرة جعجع.

لا يجد بري نفسه ملزماً بحلف حليفه. يذهب بعيداً في التسويق لفرنجية. في زيارته الأخيرة لطهران، جال المعاون السياسي لرئيس المجلس، الوزير علي حسن خليل، على عدد من المسؤولين الإيرانيين (غير أولئك الذين التقاهم علناً)، ليقول لهم خلاصة الموقف: «هل ستجدون مرشحاً رئاسياً غير سليمان فرنجية، يقول أمام الكاميرات في الجامعة اللبنانية للشباب الذين يستمعون إليه إنكم ستفخرون أمام أولادكم بأنكم عشتم في زمن المقاومة وزمن السيد حسن نصر الله»؟ وبعكس ما يسود أوساط فريق 8 آذار عن موقف الرئيس بشار الأسد من الانتخابات الرئاسية، تجزم مصادر بري بأن الأسد أبلغ جميع المعنيين بأنه يؤيد فرنجية حتى النهاية.

بعد «عرس معراب»، نصح بري فرنجية بالهدوء. هو سبق أن عاتبه على أدائه الإعلامي بعدما تسرّبت معلومات لقائه الباريسي بالرئيس سعد الحريري. قال له أحد المقربين من بري ما معناه: «إنك في مقابلتك (على شاشة أل بي سي آي يوم 17 كانون الأول 2015) بدوتَ كمرشّح لسعد الحريري لا لقوى 8 آذار، رغم أن مضمون كلامك ليس سوى كلام رئيس للجمهورية. لكنه لا يصلح لمرشح في موقعك». حينذاك، اعترف فرنجية، أمام مسؤولين في حزب الله وحركة أمل «بالخطأ الذي ارتكبه» عندما هاجم العماد عون، مبرراً ذلك بأنه في إطار رد الفعل على الهجوم العوني عليه. السبت الماضي، استقبل فرنجية الحاج حسين الخليل (المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله) ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، اللذين وضعاه في صورة ما سيقوم به جعجع وعون بعد يومين. نصحاه أيضاً بالهدوء. وفيما تؤكد مصادر رفيعة المستوى في 8 آذار أن الحزب بدأ العمل لإقناع فرنجية بدعم ترشيح عون للرئاسة، تنفي مصادر بري ذلك، مؤكدة أن أحداً من فريق 8 آذار لن يضغط على النائب الزغرتاوي.

ورغم أن منطلق أوساط بري للهجوم على عون يعود إلى موقف الأخير من شرعية المجلس النيابي بعد التمديد، وإلى رفضه الاستجابة لدعوة بري إلى انعقاد المجلس أكثر من مرة، فإن مصادر رئيس حركة أمل تنفي أن تكون المشكلة مع الجنرال شخصية: «نحن ذهبنا أبعد من حزب الله سابقاً في هذا المجال. فعندما قصدنا عون قبل سنتين نطلب منه تسمية مرشح للرئاسة لنمشي به، لم يكن الحزب ملتزماً لعون إلا بتأييده شخصياً، لا تأييد من يسميه الأخير. أما نحن، فكنا مستعدين لدعم من يختاره الجنرال». مشكلتنا مع عون، تضيف المصادر «الحركيّة»، أن معركة الرئاسة التي يخوضها «ليست سوى استكمال لسلسلة معاركه الخاسرة. وفي كل مرة، يخوض معركة بصورة سيئة، لينعكس ذلك على فريقنا السياسي برمّته. ونخشى اليوم أن يكرر التجربة ذاتها، فيضيّع الرئاسة على نفسه، ويُهدر فرصة ذهبية لنا كاحتمال وصول فرنجية إلى قصر بعبدا».