لطالما اعتُمِدت عبارة "حليف الحليف" في الإشارة إلى العلاقة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، باعتبار أنّ "حزب الله" هو "نقطة الجمع" بينهما، ولولاه لبدوا أقرب إلى "الخصومة".
اليوم، وبعد "إعلان معراب" الشهير الذي بدا مؤسّسًا لـ"تحالفٍ" من نوعٍ آخر بين العماد عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، كثر الحديث عن أنّ عبارة "حليف الحليف" باتت تنطبق على العلاقة بين الأخير و"حزب الله"، فهل تُفتَح جسور التواصل بين الجانبين على الصعيد العملي؟
إرباكٌ واستفزاز؟
منذ "إعلان معراب"، التزم "حزب الله" الصمت، صمتٌ لطالما اعتمده إزاء مقاربته الاستحقاق الرئاسي، ولم يكسره إلا يوم أعلن أنّ مرشحه هو ميشال عون، وأنّ الأخير هو الممرّ الإلزامي للرئاسة والمعنيّ الأساس بأيّ تفاوض باسم الحزب.
من هذا المنطلق، لم يتغيّر شيء في منظور الحزب اليوم. هو لا يزال عند موقفه، وهو لطالما دعا مختلف الأفرقاء إلى دعم عون في السباق نحو قصر بعبدا، باعتباره الزعيم الماروني الأول والأكثر تمثيلاً. وبالتالي، فإنّ تبنّي ترشيحه من قبل جعجع أو غيره موضع ترحيبٍ من قبل الحزب، ولكنّه في المقابل لا يلزمه بشيء، وهو ما يحرص كلّ الدائرين في فلكه على الجزم به وتأكيده.
ولذلك، لا يعير الحزب اهتمامًا لكلّ ما قيل خلال اليومين الماضيين عن "إرباكٍ" وُضِع به نتيجة دعم "خصمٍ" بحجم جعجع لمرشحه الأول للرئاسة. حتى عبارة "مرشح حزب الله بات يمرّ في معراب" لم تستفزّ المسؤولين في الحزب، بكلّ بساطة لأنّ لا أساس لها ولأنّها لا تمتّ للواقع بصلة، باعتبار أنّ ما فعله جعجع هو أنّه "أيّد الترشيح" ولم يبادر بـ"الترشيح"، وبالتالي فإنّ عون هو مرشح "8 آذار" الذي أيّده جعجع وليس مرشح "القوات" الذي أيّدته "8 آذار".
رسائل "القوات" الإيجابية...
ولكن أبعد من مسألة الترشيح الآني، هل يعبّد ترشيح جعجع لعون طريق حارة حريك أمام "الحكيم"؟ وهل يمكن أن نشهد وفداً "قواتياً" في الضاحية الجنوبية لبيروت، خصوصًا بعدما أصبحت قِبلةً لمختلف الأحزاب، وآخرها "الكتائب" التي زار وفدٌ منها نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قبل يومين؟
في المبدأ، الأكيد أن لا مشكلة لدى "القوات اللبنانية" بالانفتاح على "حزب الله"، وهذا الأمر ليس بمستجدّ أو طارئ بنتيجة التطورات الأخيرة، بل سابقٌ لها، باعتبار أنّ لـ"القوات" الكثير من المحاولات "الانفتاحية" في هذا الصدد، علمًا أنّ رئيسها سمير جعجع كان دائمًا واضحًا في عزّ "الخلاف" مع "الحزب" على الاعتراف بقوّته، وهو الذي كان يعقد المؤتمرات الصحافية تحت عنوان "الردّ على الحزب" لا أكثر ولا أقلّ.
أكثر من ذلك، حاولت "القوات" من خلال الانفتاح على عون إرسال أكثر من رسالة إيجابية باتجاه الحزب، فخلا بيان الترشيح، رغم توصيفه من قبل كثيرين بأنّه "آذاريّ الهوى"، من أيّ إشارة إلى "حزب الله" من قريب أو من بعيد، وسقطت "ثوابت" خطابات جعجع من سلاح الشرعية ونزع سلاح المقاومة، إلى آخره. ولعلّ ما عزّز هذه النظرة كان كلام النائب ستريدا جعجع والذي صبّ أيضًا في الاتجاه نفسه، لجهة تمنيها ملاقاة قيادة "حزب الله" "القوات" في منتصف الطريق، الأمر الذي زاد من أسهمه كلام النائب "القواتي" شانت جنجنيان حين أكد أنّ "لا مانع" من صياغة ورقة نيّات بين "القوات" و"حزب الله" على غرار الورقة القائمة بينها وبين "التيار الوطني الحر".
حليف الحليف ليس حليفاً
في المقابل، لا يبدو "حزب الله" بوارد الانفتاح حقيقة وبكلّ ما للكلمة من معنى على جعجع. في منظور المراقبين المقرّبين منه، فإنّ التلاقي عند تأييد عون لا يرقى لمستوى "التحالف"، وبالتالي فإنّ قاعدة "حليف الحليف" لا تنطبق هنا بأيّ شكلٍ من الأشكال، علمًا أنّ العلاقة بين عون وجعجع، وإن تقدّمت بشكلٍ كبير، لم تصل عمليًا إلى مستوى "التحالف" بعد.
أصلاً، ليس هذا التلاقي الأول من نوعه على الإطلاق، ويذكر المتابعون أنّ "القوات اللبنانية" استفادت من "التحالف الرباعي" في الانتخابات النيابية ما قبل الأخيرة في بعض المناطق، من دون أن يكون هناك أيّ "تحالفٍ مباشر" بين الجانبين، نظرًا لـ"محاذيره".
عمومًا، يرى هؤلاء أنّ التباينات بين "الحزب" و"القوات" أكبر من أن يسوّيها تلاقٍ أو تحالفٌ من هذا النوع، خصوصًا أنّ جعجع لا يزال بنظر الحزب "قاتل رئيس حكومة سابق"، وهو خرج من السجن بـ"عفو" لا بـ"براءة" كان الحزب من قلّة لم تصوّت لصالحه، وهو لم يغيّر موقفه، من دون أن ننسى أنّ "الثقة" بجعجع من جانب الحزب تبقى مفقودة، وهي عنصرٌ لا يتردّد اثنان في القول أنّها "المعيار رقم واحد" في مجمل علاقات "حزب الله" السياسية هنا وهناك.
"مونة" عون لا تكفي
ذهب كثيرون خلال اليومين الماضيين للقول أنّ دعم جعجع لعون لا يكفي لانجاز الانتخابات الرئاسية. يحتمل هذا الأمر الكثير من الصحّة، طالما أنّ رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية لا يزال مرشحاً يحظى بتأييد عددٍ وافرٍ من الأفرقاء، وإن كان مسلّماً به أنّ عون لن ينزل إلى أيّ جلسة لا يضمن فوزه فيها.
ولكن، وفق المنطق نفسه، فإنّ شيئاً واحداً يبدو أكيداً، وهو أنّ "مونة" عون، التي لا يخفي "حزب الله" أنّها كبيرة، والتي جعلته لا يبارك ترشيح "حليف تاريخي" بحجم فرنجية، لا تكفي أبدًا لفتح الخطوط أمام جعجع، أقلّه في المدى المنظور!