بات واضحاً حتى حينه، ان جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 8 شباط المقبل، لن تكون محطة نهاية الفراغ الرئاسي، في ظل التداخلات والحسابات الداخلية والخارجية المحيطة بهذا الاستحقاق. ويسعى المرشحان الرئاسيان العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، لتأمين الدعم والظروف المناسبة لكل منهما، لدخول قصر بعبدا، هادفين الى تأمين التفاف حول كل منهما، استنادا الى حسابات مكشوفة للعيان، لكن كلاً من المرشحين يعمد مع فريق عمله لتظهير الواقع على انه قد يتقدم الاخر نظرا للمعطيات التي تتوافر له ولا تتوافر لغريمه الرئاسي.
وفي وقت يترقب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، تطورا ما يدفع بحليفه «حزب الله» لدعمه الى رئاسة الجمهورية على حساب حليفهما في المحور السياسي العماد عون، واستنادا الى ما يردده المحيطون به، انه الخيار المستقبلي لـ «حزب الله» وما بينه وبين امين عام الحزب السيد حسن نصر الله لا يعرفه الا الخالق، فان المرشح الرئاسي عون، يعمل دون كلل من اجل تأمين مروحة تأييد واسعة له، مستندا الى ترشيح «مميز» بابعاده السياسية، من قبل الدكتور سمير جعجع، الذي رمى الطابة في ملعب «حزب الله» للافراج عن هذا الاستحقاق في حين اكد حزب الله على دعمه لعون بايفاده يوم السبت الماضي «قياديا» رفيعاً الى الرابية لابلاغه مضي الحزب في دعمه للدخول الى قصر بعبدا، لكن الامر يتطلب مزيدا من الوقت لمعالجة الوضع مع فرنجية.
وفي موازاة ذلك، كان اتصال عون بالرئيس سعد الحريري الذي سيلتقيه الوزير جبران باسيل، ربما في السعودية او في احدى الدول الخليجية المجاورة، لابلاغه تصور رئيس تكتل التغيير والاصلاح للتعاون المشترك وفق صيغة تتكامل مع تطلعات كافة القوى وبنوع خاص مبادرة امين عام «حزب الله» وسلته المتكاملة، في حين تندرج اللقاءات التي حصلت بين العميد المتقاعد شامل روكز وبين طوني سليمان فرنجية، وايضا بين الوزير الاسبق يوسف سعاده واركان «المكتب السياسي» لعون، في خانة نقل مواقف عون الايجابية للنائب فرنجية، والتبيان له ان الظروف الحالية مناسبة لعون اكثر مما هي له في الوقت الراهن.
اذ يريد عون ان يسقط العوامل الحائلة دون انتخابه على خطي الحريري وفرنجية على قاعدة ان التفاهم معهما، ينسحب حكما على الرئيس نبيه بري الذي لن يكون خارج التفاهم مع «حزب الله» الذي سيرعى هذا التحسن في العلاقة بين الرابية وبين عين التينة.
ولا تدل الوقائع على ان النائب وليد جنبلاط، يميل نحو مواجهة التفاهم المسيحي بين عون وجعجع الذي خلص الى الترشيح للاول، اذ اضافة الى رغبته بضرورة طي الفراغ الرئاسي بتداعياته السلبية، يتعاطى مع هذا التفاهم من زاوية تقديره لحجم هذا التحالف المسيحي بين مكونين لهما وجودهما السياسي - الشعبي الفاعل في مناطقه. لذلك فان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يأخذ بعين الواقع التواصل الجغرافي مع هاتين القوتين مقارنة مع تيار المردة ومناطق تواجده، ولذلك فان جنبلاط حسب اوساطه يدرس بدقة الموضوع، واضعا اسوة بجعجع الطابة لدى «حزب الله» خصوصا ان موفده الى السعودية الوزير وائل ابو فاعور عاد بخلاصة مفادها ان قيادتها لا تزال ترصد ترشيح جعجع لعون وهي في مرحلة الرصد والتقصي لهذه الخطوة، فكان عندها قرار احياء لترشيح النائب هنري حلو الى رئاسة الجمهورية، مع ترحيبه بالمصالحة المسيحية التي وجدها امتداداً لمصالحة الجبل، تحضيرا منه، لان يأتي انتخابه عون، اذ ما سارت الامور في هذا الاتجاه، في خانة ترسيخ المصالحة تلك.
اما على صعيد رئيس حزب القوات اللبنانية ونوعية مبادرته بترشيح عون، فهو لا يجد فيها سوى انها اكثر صوابية من التفاهم بين الحريري وفرنجيه، اذ يكفي سماع ما قاله حزب الله في بكركي ليكون واضحاً لتيار المستقبل، بان دعم فرنجية لم يكن مستوفياً شروط النجاح، عدا عن تجاوزه.
ولذلك تقول اوساط في اللقاء الديموقراطي أنه خلال الاجتماع الذي عقد في بيت الوسط لقيادات قوى 14 آذار، حصل نقاش حاد بين ممثلي تيار المستقبل وبين النائب جورج عدوان، بعد ابلاغهم نية القوات بترشيح عون، لكن عندها تدخل كل من الوزير ميشال فرعون والنائب مروان حماده، طارحين حلا يقضي بتجميد المبادرة الرئاسية، في مقابل عدم ترشيح «القوات» لعون...
لكن الذي حصل هو ان جعجع الذي كان تلقى وعدا بتبريد المبادرة من قبل الحريري، تبين له انها لا تزال على وتيرتها وان ثمة اتصالات هدفها الالتفاف عليه، داخليا، اقليميا ودوليا.
عندها يكمل المطلعون، وجد رئيس «القوات» انه لا بد من مقاربة هذا الاستحقاق بمرشح قادر على التفاهم معه، بحيث ان عون ابعد من مواقفه كل كلام تجاه السعودية بطلب من جعجع، واكد على دعمه وحمايته لاتفاق الطائف كما نصت «ورقة النوايا» التي بقي من داخلها عالقا البند الرئاسي الذي تقاطعت ظروف اتخاذ القرار منه بترشيحه عون.
وكان جعجع مهّد لهذه الخطوة، ليس فقط من خلال الكلام الاعلامي، بل اصر في اللقاء الذي ضم اليه منذ ثلاثة اسابيع في معراب مدير اعمال سفارة واشنطن في لبنان ريتشارد جونز، على ان يدون الفريق الديبلوماسي الاميركي، بانه ماض في دعمه لعون الى رئاسة الجمهورية... مسترسلاً للوفد عن ابعاد خطواته... وكذلك كان الامر مع الجانب السعودي... الذي يتريث في حسم قراره...
ويبقى الموقف السعودي النهائي من تأييد عون، للرئاسة، حسب مراقبين مرتبطاً بالتوازنات الاقليمية، في مقابل صيغة التفاهم التي سيقدمها آل الحريري، والتي تحمل كيفية تعاطيه مع المرحلة المقبلة، بحيث ان اللقاء المرتقب اليوم بين رئيس المستقبل وبين رئيس التيار الوطني الحر، يؤسس لارضية حوار مباشر بين الحريري وبين عون، بعد ان ابقى التواصل الدائم بين باسيل وبين رئيس مكتب تيار المستقبل نادر الحريري على شعرة معاوية بين الجانبين.
وان كان عون لا يخفي امام زواره بان جلسة 8 شباط لن توصل لانتخاب رئيس للجمهورية لكنه هو «حسّن اوراقه» و«حصّن موقعه» الرئاسي بعد ترشيح جعجع له، وعمل «درسو» فان مخاطر امتداد الفراغ هو خيار لا تستبعده الرابية اذا ما تجاوز حسم هذا الملف لاكثر من جلستين او ثلاث وكان «المستقبل» رافضا لتأييد عون، وكذلك حزب الكتائب اللبنانية، اذ عندها يمدد الفراغ الى امد طويل وتحترق عندها اوراق المرشحين اذا ما بدت المحاور المذهبية غير قادرة سياسيا على التراجع عن مواقفها للتفاعل مع حسم الترشيحات، بحيث يتحول المرشحون عندها، الى ناخبين على وقع خلط اوراق جديدة ناتجة عن سقوط او جمود التحالفات داخل المحاور على الساحة اللبنانية.