ادى تصاعد التوتر الاخير بين السعودية وايران بعد اعدام الشيخ الشيعي نمر النمر واقتحام السفارة السعودية في ايران، الى محاولات دول عديدة للتدخل وتقريب وجهات النظر، خصوصاً وان الرياض قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران عقب هذه التطورات، وتبعها عدد من دول الخليج.
لم تحظ اي دعوة من دول قادرة على لعب دور الوسيط اي ترحيب من البلدين، اكان من روسيا او تركيا او غيرها... لكن باكستان فرضت نفسها بقوة وسرعان ما لاقت ليونة كبيرة في الموقف من البلدين المتخاصمين، ولم يتأخر الوقت كثيراً ليتحرك رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ورئيس اركان الجيش راحيل شريف ويزورا بسرعة كبيرة كلا من الرياض وطهران ويعلنا من هناك مواقف تهدف الى وقف التباعد الحاصل بين البلدين ومحاولة ردم الهوة بينهما.
من المنطقي الوقوف والتفكير اولاً بالسبب الذي يدفع باكستان الى التدخل ويجعلها مقبولة من البلدين. ويمكن القول انها معنية مباشرة بالصراع السني-الشيعي لانها متضررة منه على خطين: ديمغرافي وجغرافي. فعلى الصعيد الديمغرافي، يضم هذا البلد ثاني اكبر عدد من الشيعة بعد ايران في اي بلد آخر (نحو 20% من السكان)، وهو قريب جداً من السعودية نظراً الى ان غالبية سكانه من السنّة، كما ان الرياض تعتبر الداعم الاول لباكستان مادياً. اما على الصعيد الجغرافي، فترتبط باكستان بحدود مع ايران، لا ترغب في ان تكون عرضة للاهتزاز او التوتر لانه سينعكس سلباً على الوضع الداخلي، مع الاشارة الى ان باكستان كانت عرضة لتوترات داخلية بين السنّة والشيعة على مدى سنوات.
ويكتسب نواز شريف شخصياً اهمية خاصة لدى السعودية، فهي استضافته حين تعرض للنفي من قبل الرئيس السابق برويز مشرف عام 1999، كما انه تمكن اخيراً من الوصول الى اتفاق مع ايران لربط المنطقتين الحدوديتين معها بالسكك الحديدية. اضافة الى ذلك، تعتمد السعودية على قوة باكستان العسكرية لانقاذها عند الحاجة وهي لوّحت بها عند الاعلان عن التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن في ما سمّي "عاصفة الحزم"، رغم ان اسلام اباد رفضت الدخول في هذه "العاصفة" مكتفية بتقديم الدعم السياسي والمعنوي للرياض.
لم تتدخل باكستان لحل النزاع بين السعودية وايران، فهي تعلم ان هذا الامر ليس مجرد نزهة ولن يتم حله بين ليلة وضحاها، ولكنها رغبت في القيام بشيء ما، من اجل حفظ الاستقرار على اراضيها اولاً بعد قيام تظاهرات سنّية واخرى شيعية تضاربت في تأييدها للسعودية وايران. وتدرك باكستان ان الوضع بين البلدين المتخاصمين لن يتخطى السقف، ولن يصل الى حدود المواجهة العسكرية وهو امر اوضحه بشكل جليّ المسؤولون في الدولتين. واتى التصريح الذي ادلى به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بالامس من حيث نفيه وجود وساطة باكستانية، في هذا الاطار، اي ان ما سمّي بالوساطة الباكستانية لم يكن سوى تحرك باكستاني لابقاء الستاتيكو على ما هو عليه، وهو انعكس ايجاباً عليها فقط وليس على الوضع بين الدولتين.
استفاد "الشريفان" من هذا التحرك ولكن على ارض الواقع لم يؤد عملهما الى اي نتيجة ملموسة في الاهداف المعلنة له، اما في حال تم احداث خرق بشكل غير متوقع، فالمردود سيكون اكثر من ايجابي على باكستان من قبل كل من السعودية وايران، وستحظى بالتأكيد باهتمام دبلوماسي وسياسي خاص، وقد تتغير النظرة اليها من قبل الجميع، بمن فيهم الجار اللدود... الهند.