لبنان بلدٌ متمايز ومميّز...
متمايز عن بقية دول المنطقة، من حيث طبيعة نظامه الديمقراطي والليبرالي، وممّيز، من حيث تركيبته السياسية وبُنيته المجتمعة القائمة على توافقية تشاورية، أساسها تعددية طائفية ومذهبية وحضارية.
وهذه السِمةُ التعددّية، تنعكس بالضرورة على طبيعة المواد الاعلامية، التي تنشرها وتذيعها وتبثُها وسائل الاعلام، التي تشكل، واحداً من انماط واشكال ورموز الحريّة، التي هي من ركائز النظام الديمقراطي وابرز تجليّاته.
ويشكل الكلام على دور الاعلام اللبناني في تظهير الخطاب الديني، وقياس اهميته وتأثيراته السياسية والاجتماعية مدخلاً صحيحاً لفهم اشكالية العلاقة الملتبسة بين اركان العملية الاعلامية الناجحة، والذين يتوزعون، كلاسيكياً، على مراتب، هي:
أ- مرتبة التصنيع والانتاج، وقوامها المؤسسة الاعلامية، بجهوزيتها وسياستها وتوجهاتها.
ب- مرتبة التحرير والصياغة والنشر، وقوامها الاعلامي وفنية احترافيته عمله، وحرصه على اعتماد معايير الجودة.
ج- مرتبة الاستهلاك والاستعلام، وقوامها الجمهور الراغب بملاحقة الاخبار ومتابعتها.
انطلاقاً من تراتبية عناصر انتاج المعلومة، يمكن دراسة تأثير الخطاب الديني في الاعلام اللبناني، على قاعدة توصيف مكونات الخطاب، وتوقيته، واسهدافاته، وتحديد زبائنه الاوفياء، وزبائن الصدفة.
إن محورية التصدي لموضوع الخطاب الديني في الاعلام اللبناني، وتناوله بابعاده السياسية والاجتماعية والثقافية، وكيفية تعاطيه مع الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تفرضه المجتمعات المتعددة، يتلاقى بقوة مع موضوع دور الاعلام في صناعة السلام وتعزيز فرص انضاج الحلول في مجتمعات منقسمة. وفي هذا، مدخل واضح لايلاء قضايا السلام في الاعلام، أهمية مركزية، نظراً لفاعلية وسائل الاعلام وتأثيرها المباشر على صناعة الرأي العام، وتشكيل تكتلات، يحكمها التوجه نحو تلاقيات سلمية، في سلوكيات الحوار واستخدمات الكلام.
والقضية الابرز التي تعترض فكرة تعزيز فرص السلام بواسطة الاعلام، هي (استثمار) الخطاب الديني العصابي والخلافي، من أجل تعزيز الخلافات والامعان باحداث الشروخ والانقسامات بين المكونات المجتمعية، بهدف تعزيز مكانات سياسية ظرفية، من دون النظر الى الانعكاسات التي قد تخلفها على الساحة، وما تولده من ارتدادات على صعيد زيارة منسوب التشنجات الكلامية، بأبعادها الطائفية ودلالاتها العنفية.
اولاً: اهمية الطرح والمعالجة
ان مبادرة طرح موضوع الخطاب الديني، ودرس تأثيراته وفاعليته، من خلال وسائل الاعلام، يشكل سبقاً ناجحاً وهاماً، في مجال معرفة كيفية استخدامات الخطاب، وفنية توظيفه لخدمة اهداف سياسية او طائفية، بعيداً عن المعنى الروحي والبعد الانساني لمضامين الخطاب. وتتركز اهمية تناول الموضوع، انطلاقاً من الشعور بالخطر الذي يشكله قاموس الالفاظ الطائفية، ورغبته بالتحوط مما قد يتسبب به الكلام غير المنضبط، وغير الموافق لنهج العيش الوفاقي في المجتمعات ذات التعددية الدينية، والتنوعات الحضارية، والتوزعات السياسية. وعلى هذا الاساس يتخذ موضوع الخطاب الديني، أهمية على مستويين:
أ- حقيقة، ابراز تأثيراته ومعرفة حدود المخاطر التي يشكلها.
ب- اولويته، اعطائه حيزاً واسعاً من الرعاية والرصد والتقويم، وتقديمه على غيره من أنواع الكلام الموظف.
وكلا المستويين يستوجب تقديم مقاربةٍ علميةٍ، تقوم على مثلث: الرصد، والمقارنة والتحليل، حتى يتمكن الباحث من رسم خريطة واضحة، لبرمجة عملية تفكيك الخطاب، وفهمه ومن ثم محاولة اكتشاف ابعاده وتحليل معطياته الظاهرة، وتلك التي تختبئ في النص.
ان أهمية طرح هذا الموضوع الدقيق، في زمن الصدامات الدينية القاسية وحركات الارهاب والتكفير، وتدمير الحضارات، واضطهاد الاقليات الدينية والقومية، وتعاظم الشعور بالعصبيات الدينية المغلقة، يؤكد من ناحية ثانية على مسؤولية وسائل الاعلام في تقديمها لهذه المواضيع وكيفية معالجتها، باحترافية ومسؤولية، انطلاقاً من الدور الاجتماعي والقومي والوطني الذي تقوم به، بما يتوافق وطبيعة الظرف، ولا يتعارض مع واجب "الاعلام النظيف" والموضوعي، وزيادة منسوب الوطنية في تقديم الخبر الديني، او التعليق على موجودات الخطاب الطائفي، بعيداً عن محاولة بعض الاشخاص الخروج عن منطق "التفاهمات" و"التوازنات" ومستلزمات الحفاظ على الاستقرار في المجتمع، كي لا ننقل من حالة "الخصام السياسي" الى "حالة العداء الطائفي"، الذي يمكن ان ينتج عن بعض وسائل الاعلام، اذا ما اسيء استخدام الكلام، وتم فهمه على غير مقاصده الصحيحة.
والمأمول من منظومة الاعلام اللبناني، ان يتحوط اكثر للمخاطر الجادة التي يمكن ان تنتح عن عملية توظيف الكلام الديني في الصراع السياسي، خصوصاً في بعض البرامج الحوارية، وتغطيات النقل المباشر التي تشكل قنابل كلامية، قابلة للتفجير في اي لحظة.
وهذه المسؤولية المركزية لوسائل الاعلام، في المجتمعات التعددية، تحول دون قيام "فديراليات اعلامية طائفية" وتمنع وقوع حروب وانقسامات، تختبئ وراء مقاصد طائفية ضيقة.
ثانياً: حماية مستهلك الاعلام الديني
السؤال المركزي الذي يطرح، في عملية قراءة الخطاب الديني، هو: "كيف يتم الفصل بين الديني والسياسي في فهم مدلولات الخطاب الاعلامي؟ وهل هو اعلام ديني ام اعلام وطني؟"
وبذلك ينفتح الكلام هنا على "خطر الكلام في الاعلام الديني"، بدءاً من ملاحظة ورصد الالفاظ والمفردات وتركيبات المعاني، وانتقاء العبارات ذات الدلالة التهديئية او التجييشية، وفق مؤشرات سياسية محكومة بظروفها واسباب انتاجها.
وازاء الاخطار التي تنتج عن اساءة استخدام الاعلام لايصال الخطاب الديني المتشنج، تطرح بقوة قضية "حماية المستهلك الاعلام الديني" على قاعدة توفير الحماية الوقائية التي تحول دون تفاقم الاضرار والمخاطر، التي تنتج عن التعمية الاعلامية والتضليل والسيطرة على اذهان البعض، وتوجيههم غرائزياً.
وهنا لا بد من تحديد واضح لدور ومسؤولية "المرجعية الروحية" و"المرجعية الاعلامية" في عملية مراقبة مضمون الكلام وموافقته لروحية التعاليم، بعيداً عن الاستغلال والتوظيف، اضافة الى كيفية تعاطي الاعلام مع الكلام ذي الطابع الديني، وكيفية توجيهه نحو بناء السلام، وتعزيز فرص التلاقي بين ابناء المجتمع التعددي بكل مكوناته وانتماءاته.
وتشكل عملية "حماية المستعلم"، مدخلاً صحيحاً لمعالجة حالة الخلاف والتعارض بين اقطاب الخطاب الديني، الذين كثيراً ما عملوا لاستيلاء الخلافات النزاعية والاستعراضية، بهدف تزحيم المادة الاعلامية واعطائها دفعاً شعورياً، من جهة، فضلاً عن تقديم "خدمة اعلامية" للجمهور، هدفها، منع المخاطر او الحد منها، والمساعدة للانتقال من حالة الشرذمة والخصام، الى وضعية المهادنة والسلام. ومن هذا المنظور الواقعي، يجب التركيز على عملية الانتقال الهادئ من حالة التوافق والسلام، مروراً بحالة "الهدنة الاعلامية" التي تفصل بين وضعيتين متناقضتين، هما "خطاب الحرب" و"خطاب السلام".
ولتأسيس "اعلام الهدنة"، يستوجب هذا الفعل، معرفة مقاصد الكلام والى ماذا يهدف، وتحديد الضوابط الملزمة للتقيد بأدبيات الكلام، وتحديد العلاقة التي تربط صاحب الخطاب، بهدفيات استثماره، اضافة الى مبادرة وسائل الاعلام لوضع حد للتمادي في استخدامها منبراً للمبارزات الدينية والجدالات السياسية، كمدخل للانتقال الى اجواء المصالحة وتعزيز فرص السلام وتوطيد العلاقات بين الجماعات المتنوعة.
والسؤال الذي يرخي بثقله في هذه الاشكالية، هو "هل نحن ام خطاب ديني، ام خطاب ايماني؟"
ومعيارية التوازن بين مثلث، الديني والايماني والسياسي، هي التي تحكم العلاقة الناظمة "لاعلام السلام"، الذي يقوم على رصانة الرأي، وهدوء التفكير، وتوافقية الاهداف. ويستتبع ذلك، سؤال فرعي، ماذا كان الخطاب الديني، خطاب رأي، ام خطاباً ايعازياً؟ وما هي المقومات التي يتشكل منها هذا الخطاب؟
ثالثاً: كيف نؤسس لخطاب ديني سلامي؟
ليس الهدف من اكتشاف عناصر الخطر في الخطاب الديني، وتوظيفات الاعلام لمضامينه، البقاء في حدود توصيف المشكلة، وابراز مخاطرها، والتنبيه من تداعيات مظاهرها فقط، بل ان القصد الاساس هو في التنبيه من تداعيات مظاهرها فقط، بل ان القصد الاساس هو في كيفية رسم صياغات جديدة للاعلام الديني، في مجتمع بلغ عدد طوائفه ومذاهبه حدود السبع عشره طائفة؟
وكيف علينا ان نعمل من أجل بناء ركائز صلبة لمجتمع متنوع وانفتاحي، في ظل انقسامات عمودية في بنية العلاقات بين الطوائف والمذاهب، على مستويات الخارج والداخل؟
ويقتضي العمل من اجل بناء اعلام السلام، ان تعمل وسائل الاعلام لوضع شرعة اعلامية، يتحدد فيها المرغوب به من مواصفات مطلوبة عند صاحب الخطاب، ولدى الوسيلة الاعلامية، الناقلة للمادة الاعلامية. ومن الممكن في هذا السياق، طرح سؤوال مهني، حول ما اذا كان "ناقل الكفر بكافر ام لا"؟
وعلى هذا الاساس تتحدد مسؤولية الوسيلة الاعلامية، من حيث انها الاداة التي تسوق الكلام وتنشره. فهل الاعلام هو في مرحلة متقدمة في المسار الطائفي من حيث انه شريك في اثارة النعرات الطائفية، او من واقع دوره الطبيعي بان يكون حارساً للسلم الاهلي، ومساهماً رئيسيا في محاربة الفتن المذهبية، ومنع انتشار عصبيات البغض والكراهية؟
ومن هذا المنظور عينه، تتم عملية مقاربة مضامين الخطاب الديني في وسائل الاعلام، وتحليله على وقع دقة الظرف وخطورة المرحلة التي تعيشها البلاد، في حالة اختلال الوزن واضمحلال القيم، وعدم الالتزام باخلاقيات الاعلام والشرع الناظمة له.
وينطلق التحليل التفكيكي لبنية الخطاب الديني وزمنية استخداماته وطريقة عرضه وتقديمه، من سؤال رئيسي، ينطبق على كل كلام ومادة اعلامية ذات بعد تفاعلي، وتتحدد عناصر السؤال بالتالي:
1- تحديد "لماذية" الخطاب الديني، ومناسبته والدافع اليه.
2- معرفة الوقت الانسب لقوله ونشره، وفق خطة مدروسة.
3- الجمهور المستهدف من الخطاب، وموقعه، المحايد او المؤيد او المعارض، لمضامين الكلام.
4- المقاصد المرجو تحقيقها من استهداف الخطاب.
5- الاستراتيجية الموضوعة للخطاب الديني لجماعة معينة: هل هي ثابتة ام انها متحولة وقابلة للتغيير وفق الظروف والحالات التي تفرضها كل مرحلة؟
ومن خلال التعرف الى الاجابات التي من الممكن الحصول عليها نتيجة هذه الاسئلة الافتراضية، ننطلق الى طرح مجموعة تساؤلات محورية، في سعي لتجديد الخطاب الديني وتقوية مناعته، في مجتمع مفكك، وذلك على قاعدة تقديم النقد والتقويم، من اجل انتاج خطاب ديني اكثر اعتدالاً، ومن اجل تشجيع الاعلام لان يكون اكثر مسؤولية في مقاربته ونشره وبثه للامور الدقيقة في اللحظات الحرجة والظروف الاستثنائية. ومن هذه التساؤلات:
أ – من المسؤول عن التوظيف السياسي للخطاب الديني؟
ب-الى من يتوجه الخطاب الديني، هل الى الاتباع ام الى الجمهور العام؟
ج-كيف التمييز بين الخطاب الديني والخطبة (العظة) الدينية؟
د-هل يحمل الخطاب الديني الروحي، بعداً قيمياً ام يتعدى الى ابعاد ومقاصد سياسية؟
هل الخطاب الديني، هو احادي الاتجاه وذو هدف ابلاغي؟ ام انه يقدم انفتاحات حوارية، بهدف خلق اجواء حوارية بين المكونات الطائفية؟
وهل يتضمن الخطاب الديني مصطلحات وعبارات من شأنها ان تخلق التباسات حادة في تفسيرها، من قبل ان تخلق التباسات حادة في تفسيرها، من قبل ابناء الطوائف الاخرى (بمعنى المصطلحات والمفردات والعبارات اللاهوتية والفقهية)؟
وتكون خلاصة الاجابات على هذه التساؤلات، ان المجتمعات التعددية وذات التنوعات الحضارية والدينية تكون في الغالب من الاوقات محكومة بنوعين من الخطاب الديني:
1. خطاب المجاملات، الذي يتناول العلاقات مع الاخر ويحرص على اظهار الاهتمام بها. و هو اعلام يحتاج الى دراسة واختبار مدى صدقيته.
2. خطاب الظروف الاستثنائية والذي يحمل بظواهره ومستوراته، مواقف رافضة ونزاعية مع الاخر، وهو اعلام، محكوم بمعرفة ظروف واسباب نشأته.
وفي الحالتين، يفترض على وسائل الاعلام، ان توازن وتدقق في مكونات كل خطاب قبل اعادة نشره، كي لا تتبنى مواقف مسبقة، وتساهم بتعميم المخاطر ونشرها.
ومهما كانت معايير وشروط انتاج خطاب ديني اعتدالي، في مجتمع متنوع، فان الامر الاكثر أهمية في هذا الموضوع الدقيق هو: كيف نؤسس لخطاب ديني ايجابي في مجتمع دائم التعارض والخلاف؟
وهل من المعقول ان نصل في لبنان، كبلد نموذجي لتعايش الاديان والطوائف، الى صياغة خطاب ديني توحيدي، على غرار ما عرفناه مثلاً في مناسبة تحديد الخامس والعشرين من اذار من كل سنة عيداً جامعياً للسيدة العذراء مريم؟
ويؤسس هذا التعاطي الانفتاحي مع الاعلام، لعملية تبديل بعض الشعارات والعبادات التقليدية، بحيث يستعيد رجال الدين والمرجعيات الروحية المعتدلة، زمام الامساك بقيادة الكلام وتوجيهه، فننتقل من مرحلة واحتفالية "قبول الاخر" الى حالة جديدة وضرورية هي العمل لتفهم الاخر، وفهمه وملاقاته الى منتصف الطريق وحتى الذهاب اليه، من اجل خلق مناخات حوارية، والتأسيس لتلاقيات هادئة، بعيداً عن واقع التشنجات المأزومة والمحكومة بظروف استثنائية.
وفي كل الاحوال التي تم فيها قياس تأثيرات الخطاب الديني على الجمهور اللبناني، في حالات الذروة من الخلافات، بقي الشعور بحب الوطن، كل على طريقته ووفق مصالحه، هو الطابع الغالب على النص الكلامي، حيث برزت اتجاهات ثلاثة ميزت الخطاب الديني في المرحلة الاخيرة منذ سنة 2014 وحتى المنتصف الاول من سنة 2015 (المدة المرصودة)، بحيث تظهرت الخطابات التي قالها رجال دين مسيحيون ومسلمون، في مناسبات عامة وتم نقلها او الاخبار عنها في وسائل الاعلام، من خلال ابراز القيم التالية:
1- قيمة الولاء للوطن ورموزه، مع ما يستلزم من اعلان واضح للوفاء.
2- قيمة الانتماء بقضايا الوطن والتعاليم الدينية، وتوظيفها لخدمة رسالة لبنان، التعددية والحوارية.
3- قيمة الالتزام بقضايا الوطن والتعاليم الدينية، وتوظفها لخدمة رسالة لبنان، التعددية والحوارية.
ويمكن ان نفهم من خلال تصنيف هذه القيم، الدائمة الحضور في الخطاب الديني اللبناني رغم التمايزات الظرفية التي تحكم الاحوال السياسية، ان الاعلام اللبناني، يعمل بجهد ومسؤولية لتظهير جوانب الاعتدال في مضمون النص الديني وتحليل ابعاده، من دون التسرع بتقديم قراءات تحليلية خاطئة ذات ارتدادات عكسية على صاحب الخطاب، و على الجمهور ومعنوياته وعلى المؤسسة الاعلامية ورصيدها . وقد تجلى حرص الاعلام اللبناني على اظهار ايجابيات النص الخطابي الديني، من خلال بعض الحوارات النقاشية مع بعض رجال الدين، تم استضافتهم في برامج تلفزيونية ، والذين اجمعوا على ضرورة التقييم المستدام للخطاب الديني وضرورة الانتقال من (الكفاءة الى الفعالية) بحيث تكون الرصانة في الكلام، والرغبة بتقديم اليجابيات على السلبيات هي الضوابط المفروض التقيد بها في انتاج الخطاب الديني.
رابعاً: الأمن الاعلامي والديني نحو شرعة اعلامية خاصة
ويشكل هذا البحث الدقيق والذي يتناول عضوية العلاقة بين الخطاب الديني وطرق تظهيره في وسائل الاعلام، في المجتمعات الدينية المتعايشة، كالنموذج اللبناني، مدخلاً لدراسة علامات التمايز والتعارض والتلاقي، بين مرسلات الخطاب الديني، وانتقاءات هذا الخطاب في الاعلام، ومحاولة معرفة المعايير التي يتم اعتمادها من الوسيلة الاعلامية، لاختيار مقاطع محددة من الخطاب، وفنية اجتزائه وتلخيصه، وكيفية عرضه ونشره.
ويعود الحرص على رعاية التداخل الايجابي بين وظيفة الخطاب الديني، والوظيفة الاخبارية والاجتماعية لوسائل الاعلام، الى خطورة ما قد ينتج عن اساءة نقل مضمون الخطاب، او تفسيره عاى غير مقاصده المباشرة، خصوصاً في زمن الازمات والاحوال النزاعية التي تمر فيها المجتمعات المتداخلة او المتعايشة طائفياً.
ولان المخاطر التي يسببها الاعلام، احياناً من خلال تغطيته المباشرة لخطاب ديني، تشكل عنواناً تفجيرياً يجب العمل لوضع شرعة خاصة بالاعلام الديني، تكون حائلاً دون التمادي في عمليات الاستغلال السياسي والطائفي والاعلامي، لاي كلام ديني يصدر عن مرجعية روحية او فكرية معروفة وموضع ثقة وتقع مسؤولية وضع اسس هذه الشرعة على اصحاب المقامات الروحية، الذين يدلون بارائهم ومواقفهم ويشرفون على بعض الجمعيات والمراكز ويصدرون النشرات المتخصصة من ناحية، وعلى مسؤولي التحرير في وسائل الاعلام، الذين عليهم ان يوازنوا، ويتأكدوا من صحة الكلام ومرجعيته الدقيقة.
والكلام على الامن الديني، ينطلق من الحرص على سلامة العلاقة بين العنصرين: مصدرية الكلام، ونشر الكلام.
وفي سبيل ضبط عملية استخدام التعابير والمصطلحات الدينية، تعمد بعض وسائل الاعلام الى وضع "قاموس خاص" بها للتعابير المسموح بنشرها، وتلك غير المسموح بها، بحيث تعمد الى الحذف والابدال، بما يتوافق وقوانينها الداخلية، ويمنع التفسيرات السلبية للمصطلحات المستخدمة، خصوصاً ان العبارات العنفية والاستفزازية من شأنها ان تشكل عاملاً تفجيرياً ومهدداً للامن القومي، ولاثارة الفتن بين الاديان والطوائف والجماعات، التي تعيش فترات من الحذر والترقب كي لا تقع في محظورات التفجير والخلافات التفتيشية. و على هذا الاساس، يجب التعامل مع الخطاب الديني، وكيفية استثماره ايجاباً، وعدم توظيفه سلباً، كشحنات لفظية وكتابية مفخخة .