تعيش السعودية حالات فشل مركَّبة داخلياً وخارجياً، والخسارات متعددة على مستوى البورصات السياسية والاقتصادية والأمنية، خرج جميع حلفاء السعودية كباراً وصغاراً من "بيت الطاعة"، بعضهم علناً وآخرون بحياء، فتمنّعت باكستان عن خوض مغامرات السعودية الفاشلة في اليمن وضد إيران، وتُركت السعودية وحيدة في مواجهة إيران ما عدا القوى العظمى (الصومال وجزر القمر والبحرين..)، حتى سمير جعجع حليف الحريري تمرّد على ممثل السعودية في لبنان ورشح العماد ميشال عون!
المشكلة أن الرياض دخلت السياسة المسلحة (دعم ثورات واجتياحات...) في سن الشيخوخة كمن يدخل مدرسة محو الأمية وهو في الثمانين من عمره، فلا هي استطاعت تقليد الدول القوية، واعتقدت أن اليمن كما البحرين؛ بضعة دبابات وعسكر من "درع الجزيرة" يؤهّلونها لغزو اليمن.
السعودية لم تعرف الأحزاب السياسية ولا العمل السياسي، ولم تسمع كلمة "معارضة سياسية"، وإن سمعت فقد أبادتها سجناً أو إعداماً أو نفياً، فكيف لها وهي التي تعتمد سياسة "الرشوة المالية" و"المكرمة الملكية" و"طاعة ولي الأمر طويل العمر" أن تقود المعارضة السورية المقطوعة الأرجل ميدانياً؟ فتحولت المعارضة من المعارضة السورية إلى ما يسمى "معارضة الرياض"!
تعيش السعودية حالة انكماش سياسي ونفسي؛ كالزوجة التي تزوّج عليها زوجها، فأميركا وقّعت الاتفاق النووي مع إيران، وتحوّلت إيران الى قبلة للمستثمرين والسياسيين.. دول وشركات يحملون الحقائب المملوءة بالعقود والعروض، ويشكر الأميركيون خصومهم الإيرانيين على اعتقال البحّارة، فيغضب السعوديون.. لقد هرمت السعودية، وأميركا تبحث عن الدول الشابة.
تنادي السعودية على طريقة "الفزعة" القبلية: أين باكستان؟ أين مصر؟ أين العرب؟ أين المسلمون؟ لقد خدعتنا أميركا، والغرب باعنا من أجل مصالحه.. اتفقوا مع عدونا إيران.. فتعالوا لنقلب الطاولة.. وحاول السعوديون قلب الطاولة في ذروة انفعالهم فأصيبوا في ظهورهم، ولا يستطيعون المشي إلا بالعكازات، وبدأت أكوام الأرصدة تتآكل، والهزائم تتوالى في سورية واليمن والعراق، وبقيت السعودية وحيدة.
استنجدت بباكستان وذهب المفتي السعودي ليحرّك التعصب الديني، وذهب وزير الدفاع (الملك القادم)، لكن الباكستانيين كانوا أكثر ذكاء وتعقّلاً، فبدل الخضوع للرغبة السعودية بحمل البنادق وتوسعة الحرب الإسلامية - الإسلامية، حملوا الماء لإطفاء النار وأعلنوا وساطتهم لإنقاذ السعودية أولاً، وحفظ ماء وجهها وغرورها، ولحفظ الأمة الإسلامية من النار المهلكة، فوافق الإيرانيون وأعطوا باكستان "سلفة سلام" على الحساب، عبر تصريح مرشد الثورة بأن إحراق السفارة عمل سيئ، لكن السعوديين ما يزالون في معركتهم ويسيرون نحوها.. السعودية التي أصبحت بمستوى ميليشيات شعبية في اليمن، والتي لم تهزم، فصارت السعودية بمستوى "ميليشيا ملكية".
معارضة سورية فاشلة وضعيفة.. نزل الملك عن عرشه وصار في شوارع عدن مع "القاعدة" و"داعش".. نزل الملك عن عرشه وصار مع خوجة ورياض الأسعد وعلوش.. لم يعد ملكاً، صار قائد تنسيقيات الفاشلين في "الربيع العربي".
الوساطة الباكستانية قارب نجاة للسعودية وللأمة، وعسى أن يهدأ السعوديون ويعترفوا بالواقع..
نحن لا نريد لهم الهزيمة والشر، فيكفي عالمنا العربي والإسلامي حرائق مشتعلة منذ خمس سنوات مع بدء الجيل الثاني من "الثوار" بما سمي "الثورة على الثورة" في تونس، و"الثورة على الثورة" المركّبة في مصر..
لقد تغيّرت الأحوال، ولم تعد السعودية في مرتبة "الحكيم" والمرجعية التي يعود إليها العرب والمسلمون.. أخطأ السعوديون وأحرقوا مراكبهم ولن يعودوا كما كانوا.. المراهقة السياسية والغرور صرفا أرصدة المال وأحرقا عائدات النفط.. وخرّبا المملكة، وبدأ جنودها بالعودة في توابيت الهزيمة.. وإذا شحت الأموال سينقص الحلفاء والأصدقاء.. وقطر بالانتظار.
هل تتوقف السعودية عن لعب القمار السياسي والعسكري، وتلتقط أنفاسها فتربح ونربح جميعاً، أم أنها ستتوغل في المغارة ونخسر جميعاً؟
دعاؤنا أن تعود القيادة السعودية إلى رشدها، وتكتفي بالحرائق والخسائر.. ولا تزيد.