إنها السنة الأخيرة من حكم أوباما إذاً..
على عادتهم، يحاول محللون وساسة عرب إلباس الرئيس الأميركي الآيل إلى الرحيل ثوب الضعف، ويستخدمون تعبيراً مستورداً هو "البطة العرجاء"، لكن من يراقب أميركا منذ طغيان استفراسها بعد الحرب العالمية الثانية، يرى أننا أمام إدارات مختلفة في تكتيكاتها، وواضحة في استراتيجتها التي تقضي بتدمير أو احتواء أي قوة يمكن أن تُنافسها.
"المستر" أوباما كان واضح العقيدة، مربك الاستراتيجية الشخصية، لكن تكتيكه لا يحيد عن الاستراتيجية الأميركية الأم، أما عقيدته فتتبدى في سياسة "تجنب المواجهة الشاملة"، وممارسة تفكيك، وتفخيخ الاسترتيجيات المنافسة، جراء ترسّخ قناعات "جوّانية" بأن العالم لم يعد يحتمل قوة أحادية طاغية منذ زحف دوايت أيزنهاور وجون فوستر دالاس وآلان دالاس على خارطة العالم، وأن هذه القوى المنافسة بدأت تأخذ حيّزاً خارج السياق المرسوم، لا بل تتقدم بشكل يربك واضعي الاسترتيجيات في واشنطن.
لنعد قليلاً إلى الوراء؛ حين خلط ريتشارد نيكسون الميتافيزيق بالعالم السفلي قائلاً: "الرب يريد أن تقود أميركا العالم"، ليخلع على كتف إبليس السياسة الأميركية لاهوتاً سياسياً فظاً، ويغطي كل جرائم الكولونيالية الأميركية بعباءة إلهية.
لقد استمرأت أميركا قيادة العالم وخزن ثرواته، وهي على استعداد للقتال والتوحش حتى لا تفقد هذه القوة.. لنسمع ما قاله زبغنيو بريزنسكي: "إذا كان يتوجب اختفاء التفوّق الأميركي فإن ذلك سيؤدي إلى انتهاء السلام في العالم قطعاً"، و"إن البديل الوحيد للقوة الأميركية هو الفوضى الدولية"..
ما الذي نراه الآن، أوَليس هو الفوضى الدولية وانتفاء السلام؟ فها هي محاولات تفتيت الدول وبيعها للوحوش تحت ستار ملتبس لمحاربة الإرهاب، وتقويض موقع روسيا، واحتواء الصين، وشيطنة الخصوم، وتدمير قلب العالم القديم في المشرق، حضارة وعمراناً وبنى اجتماعية، في سعي حثيث لعدم ظهور دول قوية عالمياً أو إقليمياً، وما قبول أميركا بإيران حالياً إلاّ رضوخ لمنطق الصبر والإرادة الإيرانية، لكنها ستجد عشرات الذرائع لاحتواء أو تطويق طهران مستقبلاً، فهذه السياسة ما تزال حجر رحى الاسترتيجية الأميركية.. حتى تنتصر إرادات دول وشعوب وقادة تاريخيين على رقعة جغرافيا هذا العالم الشطرنجي.