لمن يستمع النائب سليمان فرنجية؟ ومن الذي يضع المعطيات بين يديه؟ هل فعلاً يصيب حالياً في قراءاته السياسية؟
بعض محبّي الزعيم الزغرتاوي يطرحون الكثير من الأسئلة. لا يشكّكون في مواقفه، ولا في خلفياته، ولا يركنون إلى مقولة الوزير السابق ميشال إده عن «الجنون» الذي يصيب المرشحين إلى الرئاسة مرة كل ست سنوات.
هم يطرحون أسئلة لا تجد من يجيب عنها. وأسئلتهم لا تمس «حق فرنجية» في الوصول إلى قصر بعبدا، ولا «مشروعية» نسج علاقات مع تيار المستقبل ومن خلفه السعودية، ولا التوصل إلى تفاهمات مع الحريرية السياسية على تقاسم السلطة والحكم وقوانين الانتخابات النيابية والسياسة الاقتصادية والانمائية في العهد الرئاسي المقبل. هذه الأسئلة تتمحور حول ما إذا كان فرنجية يقترب، بأدائه الإعلامي والسياسي الحالي، من كرسي الرئاسة الاولى، أم يبتعد عنها. وهل سلك أقصر الطرق، أم أنه تراجع، بمواقفه العلنية الاخيرة لا بموقعه السياسي، عن أحد أبرز حاملي حق النقض في لبنان؟
منذ أن تأكّد اللقاء بينه وبين الرئيس سعد الحريري في العاصمة الفرنسية، لم يكفّ البيك عن ممارسة «الاستعجال الإعلامي». أطلّ من باب منزل النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، ليقول ما معناه: أنا الفرصة الوحيدة. أنا أو الفوضى. وعلى شاشة «أل بي سي آي»، ظهر بمظهر رئيس للجمهورية وسطيّ وتكنوقراط. بدا أقرب إلى 14 آذار والسعودية منه إلى 8 آذار وحلفائه. وأكثر ما صدم حلفاءه، كان هجومه العنيف على الجنرال ميشال عون. ثالثة إطلالاته كانت بعد ساعات على إعلان سمير جعجع ترشيح الجنرال ميشال عون. سارع فرنجية إلى زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي، قائلاً إن أبواب منزله مفتوحة. وعلى الصفحة الاولى لجريدة «المستقبل»، أكّد أنه ماضٍ في ترشيحه. رابعة الإطلالات، و»أكثرها سوءاً» في نظر من لا يكنّون لرئيس تيار المردة إلا الودّ، كانت أول من أمس، بعد انفضاض طاولة الحوار في عين التينة، حيث قرّر فرنجية «العدّ». «كشف» أنه يحظى بتأييد 70 نائباً، في مقابل 40 يدعمون العماد عون. وهنا «الطامة الكبرى». هل يظن فرنجية أن الرؤساء في لبنان ينتخبهم النواب؟ كيف يقع في فخ «الأكثرية العددية» (الوهمية؟) عضوُ هيئة الحوار التي تحوّلت إلى «مجلس أعلى» يتخذ القرارات التي تكتفي السلطات الدستورية بتنفيذها؟ هل ثمة في لبنان من يظن أن الانتخابات الرئاسية، أو تسمية رئيس للحكومة، أو الحصص الوزارية، هي نتيجة للقوة العددية للكتل النيابية؟ هل نسي أن فريق 14 آذار فاز بجولتين انتخابيتين بعد الانسحاب السوري، ولم يتمكّن من حكم البلاد، ولا انتخاب رئيس من صلبه؟ هل فاته أن لجوء رئيس تيار المستقبل إلى اختياره مرشحاً رئاسياً له هدف رئيسي، هو عقد اتفاق مع حزب الله، وله مسبّب رئيسي، هو أن لحزب الله ثقلاً سياسياً ومعنوياً وعسكرياً يتخطّى حدود لبنان، ولا يمكن لأحد تجاوزه، رغم أنه لا يمتلك أكثر من 13 مقعداً من مقاعد المجلس الـ128؟ ولماذا حسم فرنجية أصلاً أنه يحوز تأييد 70 نائباً؟ هو يحظى بدعم أكثر من 100 نائب... إذا كان حزب الله داعماً له. لكن هذا العدد سينخفض حكماً عن الـ70، ما دام للحزب مرشح وحيد اسمه ميشال عون. النائب جنبلاط، مثلاً، يؤيد فرنجية كمرشح تسوية بين حزب الله وتيار المستقبل. لكن عندما اختفت ملامح هذه التسوية، أعاد رئيس «اللقاء الديمقراطي» إحياء «مرشحه» هنري حلو. حتى سعد الحريري، هل سيبقى على ترشيحه لفرنجية، بعد أن تتخلى السعودية عن رهاناتها ويتيقن من أن حزب الله جاد في ترشيح الجنرال؟
ثمة سؤال ربما لن يسمعه صديق عماد مغنية من حلفائه في حزب الله الذين يعتبرونه واحداً منهم. عندما تتجاوز الدول (وخصوصاً ذات الهويات الوطنية الملتبسة) والمجتمعات (الهشة تحديداً) الأخطار الوجودية، فإنها تتصرف كما لو أن هذه الاخطار لم تكن موجودة أصلاً. والخطر الوجودي على لبنان، الذي مثّلته الجماعات التكفيرية، لم يتحوّل إلى خطر هامشي إلا نتيجة قتال حزب الله في سوريا، وتضحيات مقاتليه. وليس فرنجية من السياسيين الذين يمارسون النكد السياسي فيتجاهلون هذه الحقيقة أو يزعمون تجاهلها. يكفي للدلالة على ذلك أنه السياسي الوحيد الذي علّق أول من أمس على المعارك في جرود عرسال، موجّهاً التحية للجيش والمقاومة. وما لن يسمعه فرنجية من حلفائه في الحزب هو السؤال الآتي: هل قدّمنا كل تلك التضحيات لحماية لبنان، مرة جديدة، ليتم احتسابنا كأقلية من ضمن 40 نائباً؟