ينهض ميشال عون لينادي على توفيق. في طريقه من الكنبة، حيث يجلس، الى باب الصالون، يدقق النظر جيداً في الارض قبل أن يخطو بسرعة نحو الباب. ليست للأمر علاقة بضعف النظر، أو بشيخوخة لا تبدو علائمها على ملامح الرجل، ولا على ذاكرته. فهو كان للتوّ يحدثك عن مقابلة تلفزيونية أجريت معه حول الأزمة السورية، محدداً تاريخها باليوم والشهر والسنة: «في 3 آب 2012». التدقيق في النظر أمامه قبل أن يخطو يبدو عادة ملازمة له، وتنسحب على خطواته السياسية أيضاً.

في الرابية، يحسب الجنرال خطواته السياسية جيداً، ويحاذر المواضيع الشائكة من دون أن يعني ذلك أنه بات مهادناً. لم ينسَ معركة الاصلاح ومحاربة الفساد وحتمية «التنضيف»، و«لكنني أدفع من حقوقي كرمى لوحدة لبنان، ولا أريد أن أجمع المعارضات ضدي». وهو «مرتاح جداً الى ما وصلنا اليه»، بمقدار ارتياحه الى مواقف الحلفاء، خصوصاً في حزب الله، من دون أن يخفي انزعاجه من «كثرة الاجتهادات عند اللبنانيين»، كما حدث إثر عدم انعقاد اجتماع كتلة «الوفاء للمقاومة» الأسبوع الماضي.

يقول: «يا خيي، يا أما ما عندن شي ليجتمعوا، أو عندن سبب حتى ما يجتمعوا. بلكي بدّن يصفّو أجواء معينة؟». ويضيف: «استقبلت اليوم (أمس) وفداً من الفنانين جاؤوا لتهنئتي على التفاهم مع القوات اللبنانية. أحدهم سأل بتشكيك عن موقف حزب الله، فقلت لهم: فكّروا كما تريدون إلا في الحديث عن السيد (حسن نصرالله). أنا والسيد واحد. وهناك تكامل وجودي بيننا».

لا يعلّق الجنرال كثيراً على محاولة حليفه الجديد حشر حليفه القديم، حزب الله، بعد لقاء معراب، وتحميله مسؤولية «حمل» 8 آذار الى مجلس النواب لانتخابه. «للدكتور جعجع أسبابه» التي يبدو أن الرابية تتفهّمها. هل سيحاول التقريب بين حليفَيه؟ يجيب: «أكيد بدن يحكوا مع بعض... ولكن على مهلك! لا بد ان ينفتح التعاون على المستوى الضمني الى المستوى الشخصي». على الأقل، القاسم المشترك بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وحزب الله أن «أحداً منهم لم يتورط في مال الدولة». يؤكّد عون أن الاتفاق مع القوات «مصلحة وطنية»، و«أبعد من رئاسة الجمهورية»: «نحن نشتغل لخلق توازن في تطبيق الطائف الذي نحرص على تفعيله والذي تصدى لجانب اساسي من الاسباب الداخلية للصراع التي كانت تسهل الطريق امام التدخلات الخارجية في شؤوننا، ولحظ إصلاحات سياسية وإدارية وتأمين المساواة والتوازن في الصيغة اللبنانية، وأكد على بناء الدولة. ولكن إذا لم يتجاوب الطرف الآخر سنكون متضامنين». أما البنود العشرة التي أذيعت من معراب فقد «وردت تعابيرها في معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق التي يتعهّد فيها لبنان بألا يكون اً أو اً ي ة أو دو أو ف اس أو أ ر». فيما سلاح المقاومة «شرّعه اتفاق الطائف».

هل وصل الأمر الى الاتفاق على قانون الانتخاب؟ يجيب: «أمامنا قانونان: النسبية المطلقة الذي نطالب به، وقانون القوات المختلط، ولكن بعد إدخال تحسينات عليه».

في رأي جنرال الرابية أن «اللحظة الراهنة هي اللحظة المؤاتية التي قد لا تتكرر للتغيير». يذكّر بمثل سرياني يقول: «مورونويي لوم طقسو»، ومعناه «الموارنة لا ينتظمون»، و«الآن ضبطناهم الى حد كبير جداً». ويرى «براحة ضمير أننا والقوات اللبنانية نمثل أكثرية ساحقة لدى المسيحيين... وربما فوق الـ 80 في المئة. فهل باتوا يريدون اليوم إجماعاً مسيحياً؟ الثنائية الشيعية رغم انها تمثل أكثرية ساحقة لدى الشيعة لا يمكن أن تدّعي أنها تمثّل إجماعاً، وأرقام الانتخابات السابقة تشير الى أن 30 في المئة من السنة خارج تيار المستقبل، فمن الذي يملك إجماعاً؟».لكن ما يسميه أكثرية مسيحية لا يترجم، في «حسبة» النائب سليمان فرنجية، بأكثر من 40 صوتاً، فكيف يتنازل له من يملك 70 صوتاً؟ يجيب باقتضاب: «النتائج تُعطى بعد الفرز وليس قبله».

عن اتصاله الأخير مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يقول: «أبلغته بأننا آخر مرة افترقنا قال لنا: اتفقوا مع سمير جعجع وخلّصوا الموضوع حول الملف الرئاسي. والآن اتفقنا، فهل تحب أن نتابع الحديث؟ أجابني: منحكي، فقلت له: الله يوفق».

ولكن هل يسمح الوضع الاقليمي والدولي للأطراف المحلية بانتخاب رئيس في لبنان حالياً؟ يجيب: «ولم لا؟ هذا الوضع مشغول بنفسه اليوم وربما هنا تكمن فرصتنا لنتحرك ونحن قادرون على ذلك. لا أحد يضغط علينا لعدم إجراء الانتخابات، لا أميركا ولا روسيا ولا ايران، ولا حتى السعودية تنكر علينا ذلك. مشكلتنا أن الأطراف المحلية، عندما تجد أن الأمور غير مؤاتية لمصالحها، تتذرّع بالأوضاع الاقليمية والدولية. هذه كذبة كبيرة».

للعماد عون قراءته الخاصة للوضع الدولي وانعكاساته الاقليمية. «البعض لا يرى سوى إيران، ولكن ماذا عن الروس. منذ 2012، عندما كان البعض يرى أن أيام الرئيس بشار الأسد في الحكم معدودة، قلنا إن الروس والصينيين لن يسمحوا بذلك. وكان هذا جلياً منذ الفيتو المزدوج الروسي ــــ الصيني الذي منع تكرار النموذج الليبي في سوريا، وكان رسالة واضحة بأن تدخل طائرات الناتو في ليبيا هو الأخير من نوعه». ويضيف: «الروس يريدون تأمين طريق الحرير. ونظرية الخاصرة اللبنانية الرخوة تنطبق عليهم أيضاً. مع وجودهم العسكري في سوريا لن يقبلوا أن تبقى هذه الخاصرة خارج نطاق نفوذهم المستجدّ. هذا في التفكير العسكري، ناهيك عن التفكير السياسي». وهل هذا من ضمن تفاهمهم مع الأميركيين؟ يجيب بلا تردّد: «أعتقد ذلك».