لماذا يهدد رئيس الحكومة تمام سلام بالاستقالة في كل مرة يختلف وزراء حكومته، او المكونات السياسية فيها؟ وهل يمكن لهذا الأسلوب ان يحميه من مسؤولياته كرئيس لمجلس الوزراء؟ وهل صحيح ان العرقلة التي تواجهها حكومة " المصلحة الوطنية"، سببها عدم اتفاق وزراء الكتل النيابية الفاعلة؟
وبغض النظر ما اذا كان وزير الخارجيّة جبران باسيل سينجح في اقناع مجلس الوزارء باتخاذ قرار واضح في هذا السياق، لا يعرف اللبنانيون حتى الساعة ما اذا كان باسيل قد نسّق مع سلام في المواقف التي اتخذها في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي أثار غضب المملكة العربية السعودية وأدى بها الى توجيه الملامة الى مسؤولين لبنانيين، بطريقة غير مباشرة، اما من خلال تصريحات رئيس تيّار "المستقبل" النائب سعد الحريري أو من خلال سيل من المقالات والاستصراحات التي ظهرت في صحف سعودية وخليجية.
يصر وزير الخارجية على ان كل خطوة يقوم بها هي بالتنسيق مع رئيس الحكومة.
تستغرب مصادر سياسية ما تسميه "نأي" رئيس الحكومة بنفسه عن هذا الموضوع، لافتة الى انه "مع تزايد الانتقادات والضغوط من قبل مسؤولين وإعلاميين خليجيين، لم يسمع اللبنانيون كلمة واحدة من تمام سلام حول هذا الإشكال، موقعه الحكومي الرسمي وصلاحياته الدستورية، يوجبان عليه توضيح حقيقة ما حصل، وخصوصا في مؤتمر القاهرة، حيث تبين ان الوزير باسيل كان يضعه دقيقة بدقيقة في جو المناقشات، وهو اطّلع شخصيا على مسودتي البيان والقرار قبل صدورهما واتفق مع وزير الخارجية على الموقف اللبناني منهما".
وتشير المصادر، الى ان هذا الملف لا يحتاج الى توافق مع الوزراء، بل هو بحاجة الى موقف واضح من رئيس الوزراء، خصوصًا في هذه المرحلة السياسية الحساسة التي تمر بها علاقات لبنان بالمحيط المتفجر.
وتورد المصادر "مأخذا ثانيًا على اداء رئيس الحكومة يتعلق بملف النفايات، حيث اقدم سلام على اعفاء الوزير الأصيل (وزير البيئة محمد المشنوق)، وهو الوزير الوحيد في هذه الحكومة الذي يدين له بتوزيره، وتكليف وزير الزراعة أكرم شهيّب بايجاد حل لهذه المشكلة، لكن الحل لم يأتِ بعد، رغم ان هناك مسؤولين كبارا في الدولة، يعتبرون انه كان على رئيس الحكومة، بدل ان ينحي الوزير الأصيل، الضغط على جميع الأطراف للقبول بالمطامر، او اقله حتى يلجأ الى مشاعات تملكها الدولة لإنشاء مطامر، لان معظم الآراء تعتبر ان هذا الخيار هو الأفضل".
وترى المصادر انه "بدل ان يبادر رئيس الحكومة الى ايجاد حل جذري، تم ابتداع زوبعة إعلامية خرج بعدها سلام من جلسة مجلس الوزراء، ومعه المنقذ لملف النفايات الوزير شهيب، للإعلان عن إنجاز الترحيل الذي لم يتم بعد، ويبدو انه لن يحصل، وان البحث يمكن ان يعود الى الخانة الاولى، اي الى خيار المطامر".
من جهتها، ترى مصادر سياسية متعاطفة مع تمام سلام ان الامور في عهد حكومته، قلبت المقاييس الديمقراطية، حيث أصبحت السلطة التشريعية التي من أولى مهامها مراقبة اعمال السلطة التنفيذية ومساءلة مجلس الوزراء، هي الرافعة لهذه الحكومة، حيث يهرول رئيسها الى عين التينة طلبا للمساعدة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اي مشكلة تعترض حكومته.
وتتابع المصادر ان بدعة موافقة جميع الوزراء على قرارات الحكومة، أضعفت مركز رئاسة الحكومة، وحولت رئيس الوزراء الى ساعي بريد، وكان من المفروض على سلام الا يقبل بهذه البدعة، حفاظا على حرية الحركة داخل حكومته.
وتقول المصادر، لا يكفي ان يصطحب سلام في كل الزيارات التي يقوم بها وزراء من معظم المكونات الحكومية، بل المطلوب نتائج إيجابية، وهذا لم يحصل، وهو يعرف تماما هذا الامر من خلال عدم الاهتمام الذي حظي به لبنان في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في أيلول الماضي.
وهناك اكثر من رأي يعتبر بان توافق الحكومة بكامل أعضائها على ملف معين، وخصوصا في التركيبة اللبنانية، امر صعب ان لم يكن مستحيلا، وان تلطّي سلام وراء هذا الشرط لتفعيل حكومته لم يعد ينفع بشيء.
وتنصح مصادر نيابية رئيس الحكومة بأن يكف عن التهديد بالاستقالة، او تكرار عبارتي انه لن يتخلى عن مسؤولياته، وانه يطالب بانتخاب رئيس للجمهورية، لانه يعرف جيدا انه لا يمكن تشكيل حكومة في ظل الشغور الرئاسي، وبالتالي سيبقى في الحكم يصرّف الاعمال، اضافة الى انه ومن موقعه، لم يسجل له اي نشاط علني او سرّي في تقريب وجهات النظر بين الكتل لدفع عجلة الانتخابات الرئاسية.
وتتساءل المصادر نفسها عمّا اذا كان سلام لاحظ فعليًّا في الجلسة التشريعية الاخيرة للمجلس النيابي، كيف ان رئيس الحكومة السابق النائب فؤاد السنيورة غمز في مداخلته من قناته شخصيا مشيرا الى ان حكومته غير منتجة، رغم ان السنيورة يجب ان يكون منطقيا المدافع الاول عن رئيس حكومة تم ترشيحه لهذا المنصب من بيت الوسط.
وتؤكد المصادر ان المطلوب من رئيس الحكومة، وفي ظل المعطيات المتوفرة حتى الان لجهة ان الانتخابات الرئاسية ليست قريبة، ان يحزم أمره، ويلغي الآلية التي اتّبعتها الحكومة منذ تشكيلها، ويعود الى تطبيق الدستور الواضح في هذا السياق، وهذا يعفيه من اللجوء الى السلطة التشريعية لإنقاذ حكومته، كما وجب عليه التحرر من شروط بعض الوزراء المستعصية، لأن مقولة ان ليس باليد حيلة، لن تمنع عنه انتقادات موجعة بعد إتمام انتخابات رئاسة الجمهورية، واستقالة مجلس الوزراء...