للمرّة الأولى ربّما، «طلعت ريحة» الصفقة قبل أن تتّم. الحكومة والمسؤولون والمواطنون والإعلاميون، يعرفون أن تكلفة الـ«123» دولاراً لترحيل طن واحد من النفايات، هو رقم مبالغ فيه، وأن سمسرات فلان وعلّان ستحسب من جيوبهم وعلى حساب تعبهم ومصلحتهم. ومع ذلك، لا تزال «الصفقة» سارية المفعول! لماذا؟ لأنه إذا لم يدفع اللبنانيون «الخوّة»، فستصل النفايات إلى غرف نومهم وصحّة أطفالهم وطعامهم ومياههم.
يمكن اللبنانيين غض الطرف، لأجل أن تُرفع الـ 300 ألف طن المكدّسة في شوارع العاصمة وآلاف المكبّات العشوائية في المناطق وتُرحل بعيداً إلى بلاد الله الواسعة، بعدما سقط خيار المطامر بفعل التضخيم والتخويف، والأهم لعدم وجود ثقة بالدولة بأن «المطمر الصحّي» سيكون صحيّاً بالفعل، أو لأن المؤقّت يتحوّل إجمالاً إلى دائم، في «بلاد ماشي الحال»! قبل أيام، كرّر وزير الزراعة أكرم شهيّب، بصفته رئيس اللجنة الوزارية المكلّفة حل «نكبة» النفايات، أنه لا يمكن للدولة كلّما أتاها عرض أفضل أن تغيّر رأيها، وتعود للبحث من جديد عن شركة جديدة. الوزير مضغوط، طبعاً، والمسؤولية كلّها في رقبته، والنفايات في الشوارع، ومطمر الناعمة لم يعد بمتناول يد النائب وليد جنبلاط. كان على شهيّب أن يجد حلّاً سريعاً... «من قريبو»، بعدما ترجّل وزير البيئة محمد المشنوق عن صهوة جبال النفايات، التي لا يحمل مسؤولية أزمتها التاريخية المزمنة هو وحده، ولا عهد الرئيس تمام سلام. مع أن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بأن تدير الملفّ وزارة البيئة، لينتقل بقدرة سمسار، أو بغفلة مسؤول، من وزارة البيئة إلى مجلس الإنماء والإعمار!
ثمّ تحت جنح الظّلام والسرّية، تمخّض جبل النفايات، فأنجب عقوداً بالتراضي، من دون مناقصات ولا استجرار عروض، ولا من يتنافسون على أفضل وأوفر سعر، كما هي الحال في أقصى مجاهل الأرض. و«من قريبو»، لملمت اللجنة الوزارية خمس شركات، سقطت ثلاث منها على الطريق، وبقيت شركتان، الهولندية «howa bv» و«شينوك»، ذات الملامح البريطانية، والأصول العراقية واللبنانية والسورية، والحائزة رعاية رئيس اتحاد الغرف اللبنانية ورئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير. في منتصف الطريق، سقطت الشركة الهولندية، لم يعرف اللبنانيون السبب، ربّما لأن ممثلّها ناصر الحكيم لم يعرف من أين تؤكل الكتف، ومع من «يشبك» لكي يدفع كفالة الـ 2.5 مليون دولار قبل مرور المهلة، أو ربّما لأنه سمع نصيحةً من المشنوق!
بالأمس، بشّر رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر اللبنانيين بأن «شينوك» قدّمت للمجلس موافقة روسية لاستقبال نفايات لبنان، وأن على المجلس الآن التأكد من صحّة الوثائق قبل توقيع العقد مع الشركة، التي من حظّها، أنها وصلت إلى نهاية السّباق وحيدةً، لأن المتسابقين الحقيقيين لم يعرفوا بالمسابقة أصلاً!
المهمّ الآن، أن الدولة لم توقّع بعد العقد مع الشركة، في وقت تنهال فيه العروض على الرئيس سلام، وأقلّها يوفّر على خزينة الدولة ما يقارب الـ100 مليون دولار، هذا إذا كانت فترة العقد لا تتجاوز 18 شهراً كما يشير قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 كانون الأول الماضي، مع أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق «طمأن» الوزراء، إلى أنه لا يقتنع بأن مدّة الترحيل قد تقلّ عن ثلاث سنوات، أي 36 شهراً، أي 200 مليون دولار هدر، أو «تسرّب» من جيوب اللبنانيين بالجملة، إلى جيوب لبنانيين معدودين على أصابع اليد!
حتى الآن، هناك ثلاثة عروض خرجت إلى الإعلام بأسعار أقل: عرض مجموعة «نيو بوكسر» بكلفة 85 دولاراً للطن الواحد، مع خطّة موازية لبناء مصانع فرز وإعادة تدوير وتقديم 35% من أرباح الشركة الصافية إلى وزارات ومؤسسات اجتماعية، وعرض شركة «EKO Getlini» للترحيل بـ 80 دولاراً للطن الواحد إلى لاتفيا، وعرض آخر من شركة «buildum ventures» مع ترحيل النفايات لعام واحد فقط وبالتوازي تأهيل مراكز للفرز والمعالجة وانتاج الطاقة من النفايات.
وبمعزل عن جديّة العروض، كيف تستطيع هذه الشركات أداء المهمّات المطلوبة و«حبّة مسك» بالأسعار المطروحة، بينما ترفع «شينوك» سعرها؟ هل لأن «الرزق سائب»؟
أسئلة كثيرة، لا إجابة عنها قبل جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء المقبل. فالنقاش في جلسة أول من أمس حول ملفّي موقف لبنان في مؤتمر وزراء الخارجية العرب ومنظمة المؤتمر الإسلامي والتعيينات العسكرية، أجّل إعادة طرح ملفّ النفايات من جديد أمام الحكومة إلى الجلسة التالية، بعدما كان من المتوقّع أن يطرحه وزيرا التيار الوطني الحر الياس بو صعب وجبران باسيل. وبحسب مصادر التيار الوطني الحرّ، فإن «هناك أسئلة أمام الحكومة واللجنة الوزارية ولا بدّ أن تجري الإجابة عنها، وعلى ما يظهر من العروض الجديدة أن هناك هدرا كبيرا في العرض القديم». وتسترجع المصادر ما قاله في السابق بو صعب عن أن «الفضيحة لا تغطى بفضيحة أكبر». وإلى جانب موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، يظهر موقف الرئيس نبيه بري القديم ــ الجديد، المعترض على ملفّ الترحيل بأكمله، بحيث أشار أكثر من مرّة إلى ضرورة عودة ملفّ النفايات إلى «الحلول الوطنية»، وإيجاد مطامر ومراكز معالجة في لبنان، بدل الترحيل وتكليف البلد أعباء كبيرة. وعلى ما علمت «الأخبار»، فإن وزيري حركة أمل علي حسن خليل وغازي زعيتر سيؤيدان اعتراض وزيري التيار الوطني الحرّ، وسيوجهان أسئلة حول العروض الجديدة والأكلاف المرتفعة للعرض القديم.
أمل وحزب الله يعدّان لـ«البلديات»
من جهة ثانية، استقبل باسيل في وزارة الخارجية أمس مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. وبينما أشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى أن «حزبين كبيرين على وشك الاتفاق لتطيير الانتخابات البلدية»، في إشارة ضمنية إلى تيار المستقبل وحزب الله، كما «فهم» أكثر من مصدر وزاري في قوى 8 و14 آذار، أكّد الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصرالله في خطابه أمس أن حزب الله مصرٌّ على الانتخابات البلدية، فيما أكّد برّي أمام زوّاره أن «أمل وحزب الله يريدان الانتخابات البلدية ولا مشكلة لديهما فيها». وقال: «ما حدا يتحجّج بالحزب، نحن والحزب جاهزين للانتخابات». وعلمت «الأخبار» أن وزير المالية التقى المعاون السياسي للسيد نصرالله، حسين الخليل، قبل نحو أسبوع، لمتابعة ملفّ الانتخابات البلدية والبدء بالإعداد لخوضها. كذلك اجتمعت لجان البلديات من الطرفين وبدأ العمل، على أن تتوالى الاجتماعات في المناطق وإعداد اللوائح لخوض الاستحقاق في كل المناطق.