يزداد الضغط على «داعش» في الميدانين السوري والعراقي، فيصاب التنظيم بـ«السعار». وبين السّعي إلى فتح طريق إمداد من جرود عرسال إلى الداخل السوري ومدينة الرّقة والحاجة إلى خطوط إمداد أخرى، هل تقع عرسال رهينة بين يدي «داعش»؟
ليس واضحاً بعد، الاتجاه الذي قد يسلكه «داعش» في جرود عرسال، في ظلّ التحوّلات الميدانية والسياسية الأخيرة في الإقليم. المعارك التي خاضها التنظيم الإرهابي، في الأيام الماضية، مع «جبهة النصرة ـــــ تنظيم القاعدة في بلاد الشام» في هذه المنطقة، تدفع أكثر من مصدر أمني وسياسي إلى توقّع سيناريوين لخطوات التنظيم في المدى المنظور: أوّلهما، الإصرار على فتح طريق من الجرود في اتجاه الداخل والشرق السوري مع حلول فصل الربيع، وثانيهما، محاولة السيطرة على عرسال وإعلان البلدة جزءاً من «الدولة الإسلامية».
المعطيات السياسية والميدانية قد تدفع التنظيم «الخطير» إلى اتخاذ خطوات لمحاولة الحفاظ على خطوط إمداده، استعداداً لمرحلة قد تتقاطع فيها كل القوى المتحاربة على الأرض السورية، على هزيمته وإنهائه. ويوضح مصدر دبلوماسي عربي لـ«الأخبار» أنه «في حال نجاح تركيا والسعودية بتشكيل تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب يعمل تحت السقف الأميركي، بالتزامن مع فعالية العامل الروسي والاتفاق الإيراني ــــ الأميركي، سيندفع داعش إلى القيام بخطوات إلى الأمام في كل الأماكن، ويفعّل قدرته الأمنية على استهداف المدن». «ببساطة، داعش سيصاب بحالة سُعار»، يختم المصدر.
وهو، في هذا السياق، سيلجأ إلى تصفية «الجهاديين» الآخرين، ولا سيّما «النصرة»، في محاولة لمنع تطويقه، كما هي الحال في عرسال أو مدينة التّل شمالي مدينة دمشق. كذلك سيعمل للحصول على «بيعات» مجموعات «جهادية» أخرى، في ظلّ انسحابات ميدانية تقوم بها فصائل «جهادية» لمصلحته.
قد تدفع عرسال ثمناً باهظاً على غرار ما دفعته البغيلية في دير الزور
لذلك كله، يمكن «داعش»، في حال تمكّنه من السيطرة على عرسال، خلق نقطة حرج لجميع الأطراف والقوى السياسية، عبر اتخاذ البلدة ومدنييها رهينة، لتأمين نوع من الإمداد اللوجستي لمسلّحيه عبر استغلال العامل الإنساني، والتفاوض عندها على بقائه أو خروجه. وتعني سيطرة «التنظيم» الذي «تتّفق كل القوى الدولية على إرهابه» على عرسال، وضع البلدة في حسابات التحالف الدولي والقوات الجوية الروسية وسوريا وحزب الله وإيران، واضطرار الجيش اللبناني إلى القيام بعملية عسكرية تحظى بغطاء دولي ودعم تسليحي أميركي لتحرير البلدة والقضاء على التنظيم. وعلى غرار ما يقوم به «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها أو يهاجمها، قد تدفع عرسال ثمناً باهظاً مع دخول الإرهابيين إليها، على غرار ما دفعته منطقة البغيلية في دير الزور قبل نحو أسبوعين، من المجازر التي راح ضحيتها أكثر من 700 من أهالي المدينة بين شهيد ومخطوف.
وبدا لافتاً أمس تصريح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بعد زيارته مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان بأن المفتي «مصرّ على ألّا تتعرض عرسال لأي سوء»، مؤكّداً أنه «اتفقنا على إجراء أوسع مروحة ممكنة من الاتصالات مع أهل عرسال، ومع قيادة الجيش، ومع رئاسة الحكومة، لمنع الضرر عن أهل عرسال وعدم تحميلهم مسؤولية». وقال المشنوق إن «عرسال محتلة لكن يحررها أهلها، ولا تتحرر بعمل عسكري». وفي اتصال مع «الأخبار» أكّد وزير الداخلية أن «المفتي قلق من عملية عسكرية على عرسال، ولا يوافق عليها»، في إشارة إلى إمكانية قيام الجيش بعملية عسكرية في حال سيطرة «داعش» على البلدة. ولفت إلى «سلسلة خطوات قمنا بها في داخل البلدة لحمايتها وتحصينها، ومكانها ليس الإعلام»، مؤكّداً أنه «لدي الثقة الكاملة بقدرة الجيش على منع التكفيريين من الدخول إلى البلدة. لا يوجد خوف، لكن يوجد قلق».
الجيش قادر
تعكس مصادر عسكرية معنية في اتصال مع «الأخبار» اطمئنان الجيش إلى قدرته على ردّ أي هجوم محتمل من الجرود باتجاه البلدة. وأوضحت أن «الجيش رفع من مستوى جاهزيته، بمختلف أصناف الأسلحة، ومنها سلاح الطيران، ويترقّب التطوّرات في الجرود والاقتتال بين إرهابيي النصرة وداعش ويردّ على مصادر النيران من الطرفين حالما يرصد أي هدف محتمل. ولا يمكن أي مسلّح الاقتراب من أي موقع للجيش لمسافة 3 كيلومترات». وبحسب المصادر، فإن السيطرة في الجرود تتوزّع بين «داعش» و«النصرة» على النحو الآتي: يسيطر «داعش» على مناطق العجرم، الزمراني، خربة داوود، مرطبيا، وادي ميرا، وادي المال، وادي الشيخ علي، الجرود الشرقية لرأس بعلبك، وصولاً إلى حدود جرود القاع، حيث يصبح على تماس مع مقاتلي حزب الله والجيش السوري من ناحية «حلمات قارة». بينما تسيطر «النصرة» على: خربة الحمام، وادي الخيل، خربة الحصن، الكسارات، ضهر الهوّة، وادي العويني ومحيطها، ليبقى وادي حميد، وهو النقطة الأقرب إلى عرسال، كمساحة مشتركة بين التنظيمين الإرهابيين.
المشنوق: دريان قلق من عملية عسكرية على عرسال ولا يوافق عليها
إلّا أن المصادر الأمنية تخشى «توحيد الجهود» بين التنظيمين بفعل الحصار والضغط الذي يمارسه «داعش» على «النصرة»، رغم «الصراع على النفوذ والسلطة والقرار». كذلك تتخوّف من تفاقم «الوضع الأمني بفعل العصابات وأعمال السرقة، مع وجود أعداد كبيرة من السّكان». ويقدّر أكثر من مصدر أعداد المقيمين في عرسال وفي المخيّمات بنحو 90 ألف نازح سوري من قرى القصير وريفها وحمص وقرى القلمون، و30 ألفاً من العراسلة، مع وجود 12 ألف نازح من أهالي عرسال خارجها.
مصادر من داخل البلدة قالت لـ«الأخبار» إن «النصرة سيطرت بالكامل منذ نحو ثلاثة أشهر على وادي حميد، وهو المعبر الوحيد السالك من الجرد باتجاه البلدة بعد إقفال الجيش خمسة معابر أخرى». وأضافت أن «داعش تمكّن في هجومه الأخير من السيطرة على مخزن أسلحة للنصرة ومخزن تموين، وسيطر أيضاً على معبر الزمراني، وهو الممرّ باتجاه جرود الجراجير السورية، فضلاً عن امتلاكهم أسلحة وصواريخ كورنيت سُرقت من مخازن الجيش السوري، ولا سيّما من مستودع مهين. وعملياً، هم الآن يسيطرون على وادي حميد، فيما لجأت النصرة إلى وادي الخيل ومنطقة المقالع وضهر البيدرة. كذلك اقترب داعش من منطقة الملاهي التي باتت نقطة الاشتباك الجديدة». وتؤكّد المصادر أن «وضع البلدة مزرٍ. الإرهابيون يقتلون ويخطفون من يريدون، وقد قتلوا حتى الآن أكثر من 43 من أهالي البلدة بنحو اعتباطي»، مشيرةً إلى أنه «منذ أيّام، فعّل داعش مروحة اتصالات واسعة في مخيّمات النازحي داخل البلدة وخلق حالة استنهاض للشبان السوريين، واستأجر بيوتاً جديدة داخل البلدة».
ممر إلى الشرق؟
وبين احتمالات الهجوم على عرسال والسعي إلى الحصول على ممر نحو الشرق، ترجّح مصادر معنية في قوى 8 آذار أن «داعش يريد إعادة فتح الطريق من جرود عرسال إلى الشرق السوري»، مضيفةً أنه «بعد عمليات المقاومة والجيش السوري في القلمون، قطعت الطريق بنحو شبه نهائي واستكملت بالسيطرة على الحفر وحوارين ومهين وصدد والاقتراب من القريتين». وتلفت المصادر إلى أنه «قد تعاود المقاومة عملها في جرود السلسلة الشرقية بعد الانتهاء من الزبداني لإكمال تطهير الجرود من الإرهابيين».
وتلفت مصادر «ميدانية» سورية ولبنانية إلى أنه في السابق كان هناك أكثر من ممرّ نحو الشرق، لكن كلّها تتجمّع للمرور من «حلمات قارة باتجاه كسارات الحسيا إلى سهل مهين. وقبل الثلج، كان الطريق يسهّل تسلّل أفراد وليس آليات وقوافل، خصوصاً بعد وضع حزب الله آليات مراقبة حديثة». وأشارت إلى أنه «في بداية كانون الأول الماضي، جرّب إرهابيو داعش عبر مجموعة استكشاف استطلاع الطريق، وبعد تنقّلهم من دون التعرض لأذى لأكثر من ساعتين، أعطوا الأمان لمجموعة من المسلحين من جرود عرسال، وعددهم نحو 100 مسلح للانطلاق نحو الشرق، فوقعوا في كمين للمقاومة، وبقيت أكثر من 25 جثة بين قتيل وجريح على الأرض»، مع تأكيد المصادر أن «داعش قد يعيد الهجوم على مهين وصدد بالتوازي مع الهجوم على مواقع الجراجير لفتح الطريق».
في المحصّلة، طريق «داعش» نحو الشرق تبدو صعبة، فهل يحاول التنظيم الاستعاضة عن الطريق إلى الرّقة باحتلال عرسال؟