باتت مشكلة التزوير وإعطاء رخص بناء مخالفة للقانون امرا شائعا ووحده القضاء يستطيع البت فيها، لذلك بتت محكمة التمييز الغرفة السابعة الجزائية المؤلفة من الرئيس الياس حبيب (منتدباً) والمستشارين كارلا حبيب وكارول غنطوس، بواحدة من تلك الدعاوى التي حصلت "النشرة" على نص القرار الصادر فيها والذي يحمل رقم 183/2014 والذي قضى بتصديق الحكم الابتدائي الصادر عام 2008(1) مع اعتماد بعض التعليل بحق كل من أ. ب. الذي أصبح عام 2010 عضوا في بلدية حمانا، ور. ب. ولكن القصة ليست هنا، لان الدعوى والحكم لا يتعلقان بمواطن عادي بل بعضو بلدي.
بداية لا بد من الاطلاع على بعض اسباب ومضمون الدعوى المقامة ضد أ.، بحيث يظهر ان أ. م. الذي يملك العقارين 487 و1793/ النقاش الكائنين في المنطقة المصنفة A1 وهي منطقة فيلات قد شيد فيلا من الحجر المقصوب، ليُفاجَأ بعدها بمباشرة أعمال بناء في العقار المجاور 486/ النقاش لا تتناسب مع مواصفات المنطقة المذكورة، فرفع شكوى واستدعى خبراء بواسطة قضاء العجلة في المتن وتبين أن الشركة المدعى عليها ت. ش.م.ل وبواسطة المهندس المكلف من قبلها المدعى عليه ر. ب. قد استحصلت على ترخيص بالبناء على العقار 486/ النقاش المملوك منها بالإستناد إلى إفادة إرتفاق وتخطيط صادرة في 10/10/1992 وموقعة من قبل الموظف المدعى عليه أ. ب. تشير خلافاً للواقع، إلى أن العقار المومى إليه كائن في المنطقة المصنفة A1.1 وليس A1، وتبين أن التصنيف الفعلي للمنطقة A1 يتيح البناء بعلو حده الأقصى سبعة عشر متراً ونصف في حين أن البناء المشيد على العقار 486 ناهز الواحد والثلاثين متراً.
وبحسب القانون، وبحسب المادة 112، يتم كف يد رئيس البلدية أو نائبه أو أحد الأعضاء إذا صدر حكم بدائي بحقهم كما ويجوز كف يده بقرار من المحافظ حتى صدور الحكم النهائي، أو إذا اتهم أحد هؤلاء بجناية أو ظن به بجنحة شائنة، وجب كف يده بقرار من المحافظ أيضاً حتى انتهاء الدعوى. هذا ما يؤكده المحامي عبدو أبو جودة في حديث لـ"النشرة". ويضيف: "يتم اللجوء أيضا الى كف يده في حال صدر بحقه حكم مبرم بجناية أو جنحة وهنا يعتبر مُقالاً وتعلن الإقالة بقرار من المحافظ الذي يجب أن يكون مبلغاً بموضوع الدعوى وبحكم مبرم نهائي غير قابل للمعالجة". وبالتالي فإن العضو في بلدية حمانا يتابع عمله داخل البلدية وكأن "حكما" لم يكن، فهو بحسب مصادر "النشرة" لا يزال يوقّع القرارات ويحضر إجتماعات البلدية حين يكون متواجداً في لبنان". وهنا يشرح أبو جودة أن "القانون واضح في هذا الخصوص وهو يمنع هذا العضو وسواه من مزاولة مهامه البلدية"، ومشدداً على "َضرورة إبلاغ المحافظ بالحكم المبرم ليقوم الأخير بإتخاذ الإجراء اللازم".
في هذا السياق اتصلت "النشرة" برئيس بلدية حمانا جورج شاهين لتستوضح منه حقيقة ما حصل وسبب إستمرار الرجل في مزاولة مهامه البلدية كالمعتاد بعدما لم ننجح في الإتصال بالأخير لوجوده خارج لبنان بشكل شبه دائم، فما كان من رئيس البلدية إلا أن نفى علمه بكلّ ما سبق وأشرنا اليه، مؤكداً ان "أحداً لم يبلغه بوجود أي دعوى أو حكم صادر بحق أحد أعضاء البلدية"، داعياً الى "إطلاعه على الحكم ليقوم برفعه الى المحافظ".
أما محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل فأكد لـ"النشرة" أن "لا علم قديم له بالموضوع إلا أن الحكم القضائي وصله الى صندوق الشكاوى وقام بالإطلاع عليه"، مؤكداً أنه "سيصار الى إتخاذ الاجراءات اللازمة في مثل هذه الحالات".
رغم كلّ ما أشرنا إليه، تطرح قضية إستمرار عضو البلدية بمزاولة مهامه رغم القرارالصادر بحقه تسؤلات عدّة، إذ كيف يمكن لبلدية أن لا تعلم أو تتبلغ بحكم قضائي صادر في دعوى عمرها ثلاث سنوات وأكثر، وهل سيتم تصحيح الخلل أم سيطوي الزمن صفحة ماضية وتبقى الامور كما هي اليوم؟!
(1) الحكم الاساسي الصادر بتاريخ 29/02/2008 قضى بإدانة المدعى عليه أ. ب. بمقتضى المادة 466 ع وبحبسه لمدة سنتين وبإدانة المدعى عليه ر. ب. بمقتضى المادة 466/218 ع وبحبسه لمدة سنة وبإدانة المدعى عليها شركة ت. بمقتضى المادة 466/218/210 ع وبتغريمها مبلغ قدره خمسة عشر مليون ليرة.
الحكم الذي صدر عام 2014 قضى بتصديق الحكم الابتدائي الصادر 29/2/2008 مع إعتماد التعليل الوارد في متن القرار الحاضر وتعديل قيمة بدل العطل والضرر المقضي به بجعلها أربعماية وثمانين ألف دولار أميركي ومنح المدعى عليهما أ. ب. ور. ب. وقف تنفيذ عقوبة السجن بشرط إيفاء الالزامات المدنية المحكوم بها للمدعي الشخصي ضمن مهلة شهر من تاريخ تبلغ القرار الراهن وفسخ الحكم الابتدائي المذكور لجهة ما قضى به من أتعاب محاماة واعتبار التعويض المومى إليه شاملاً الأضرار اللاحقة بالمدعي كافة.