انقضى نحو أربعة أشهر على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة دون أن يتراجع منسوب عمليات الشبان الفلسطينيين ضد جنود العدو والمستوطنين الصهاينة، بل أنه يشهد ازديادا واضحا في الآونة الأخيرة، وبزخمٍ بات يخشاه قادة العدو، نتيجة وصول عدد العمليات أسبوعيا إلى نحو 14 عملية، مما رفع سقف العمليات إلى مستوى تاريخي.
على الرغم من كافة الإجراءات الأمنية، لكن هناك من يصر على وصف الانتفاضة بالهبة، اعتقادا منه بأنها لن تستمر طويلا، لأن الفصائل الفلسطينية الأساسية غير مشاركة فيها ولا يوجد قرار لدى قيادات هذه الفصائل بالانخراط القوي والفعال في جميع انشطة الانتفاضة، وإن كان هناك نوع من المشاركة على مستوى قواعد هذه الفصائل بما فيها حركة فتح التي يدافع رئيسها محمود عباس عن بقاء السلطة الفلسطينية باعتباره انجازا، ومواصلة التنسيق الأمني مع اجهزة أمن الاحتلال، حتى وصل الأمر بالسيد عباس حد التفاخر، (دون خجل أو مراعاة لمشاعر عائلات الشهداء والأسرى والمدمرة بيوتهم)، في الاعلان عن نجاح اجهزة أمن السلطة في منع 200 عملية فدائية كانت ستحصل ضد قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين يستولون على اراضي الفلسطينيين ويدنسون يوميا المسجد الأقصى، ويهدمون منازل اهالي منفذي العمليات، ويحرقون البيوت بمن فيها من عائلات، كما حصل مع عائلة الدوابشة.
ومع ذلك فان الانتفاضة بدأت تتسع دائرتها لتشمل انخراط عناصر من الشرطة الفلسطينية المنوط بها ملاحقة وضبط واعتقال من يستعد من الشباب لتنفيذ عمليات ضد المحتلين الصهاينة، وهو ما يعتبر علامة على مدى التصدع الذي بدأ يحدث في قلب منظومة التنسيق الأمني مع سلطات العدو الصهيوني، وصفعة قوية لـ محمود عباس في اعقاب تصريحاته الاستفزازية للشعب الفلسطيني المنتفض دفاعا عن حقوقه ورفضا للإذلال والهوان اللذين يتعرض لهما يوميا نتيجة تمادي الاحتلال في إرهابه وعدوانه وتنكيله، والذي شجع عليه نهج التخاذل والمساومة الذي ساد منذ توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم.
وتجسد هذا الانخراط في عمليات الانتفاضة من قبل رجال الشرطة الفلسطينية في تنفيذ هجومين مهمين حصلا مؤخراً:
الهجوم الأول: نفذ بتاريخ 3 ـ 12ـ2915 من قبل الضابط في جهاز الاستخبارات الفلسطينية الشهيد مازن عريبة، الذي أطلق النار على جنود الاحتلال المتواجدين على حاجز عسكري قرب القدس المحتلة.
الهجوم الثاني: الذي نفذه المرافق الشخصي لرئيس نيابة مدينة رام الله، أمجد السكري، يوم 31 ــ 1ــ 2016 عند حاجز مستوطنة «بيت إيل» شمال البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة. والذي أدى إلى إصابة ثلاثة جنود للاحتلال، وإلى استشهاده، وقد استفاد الشهيد السكري من امتلاكه سيارة تابعة للسلطة تمكّنه من دخول الحواجز الإسرائيليّة بسهولة. ومن المعروف أن حاجز بيت ايل يستعمل كمعبر للشخصيات المهمة، ويستعمله مسؤولو السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة في تنقلاتهم، ويقع قربه مكتب الارتباط المدني وعدد من القواعد العسكرية التي يستخدمها جيش الاحتلال في الضفة الغربية.
وكان اعتُقل عدد من عناصر الأمن الفلسطينيين، بتهمة «الضلوع بتنفيذ عمليات إطلاق نار على قوات الاحتلال»، أو «التخطيط لعمليات منذ اندلاع الانتفاضة في الأول من أكتوبر الماضي.
غير أن عملية الشهيد السكري جاءت لتقرع جرس الإنذار لدى أجهزة الأمن الاسرائيلية وتحدث تصدعا في جدار التنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وهي شكلت مؤشراً قويا على حالة الغليان التي تسود صفوف ضباط وعناصر الشرطة الفلسطينية بعد عدة تطورات لافتة:
التطور الأول: إعلان رئيس السلطة محمود عباس وقوفه على الملأ ضد العمليات الفدائية والتزامه بالعمل على منعها.
التطور الثاني: تمادي الاحتلال في جرائمه ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وقيامه بإعدام العديد من شبان الانتفاضة على مرأى من الناس ووسائل الاعلام.
التطور الثالث: تنامي الغضب الشعبي ضد سياسات السلطة الفلسطينية وارتفاع حجم المشاركة الجماهيرية في انشطة الانتفاضة، وانضمام الكثير من اعضاء حركة فتح إلى الانتفاضة.
انطلاقا من ذلك فإن عناصر الشرطة الفلسطينية ليسوا بعيدين عن التأثر بكل ما يجري لابناء شعبهم، وبالتالي لا يمكن لا لقيادة السلطة ولا لأجهزة الأمن الصهيونية أن تحولا دون قيام بعض عناصر الشرطة بردود فعل انتقامية ضد جنود الاحتلال.
والرد على تواطؤ قيادة السلطة وتخاذلها في عدم اتخاذ الموقف الذي ينسجم مع تطلعات الشعب الفلسطيني ودعم انتفاضته في مواجهة احتلال، الذي برهنت التجربة انه لا ينفع معه سوى لغة المقاومة والمواجهة، خصوصا وأن نهج السلطة في التفاوض مع الاحتلال على مدى عشرين عاما اثبت أنه نهج عقيم ولا جدوى يرجى منه، وعلى عكس السلطة فإن الشعب الفلسطيني عبر عن ترحيبه بعملية الشهيد السكري التي وجهت رسالة سياسية هي الأقوى لقيادة السلطة ردا على تماديها وايغالها في سياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال.
ومثل هذه العمليات مرشحة للاستمرار على ضوء انسداد أية آفاق أمام امكانية موافقة كيان العدو الصهيوني على الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 67 واقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ارضهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948.