وقع التصريح الذي ادلى به مستشار وزير الدفاع السعودي اللواء احمد العسيري، حول استعداد الرياض ارسال قوات برية الى سوريا، بمثابة صاعقة ضربت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. من الطبيعي ان يكون مثل هذا الكلام موضع نقاش وبحث عميقين، نظراً الى انعكاسه على وضع المنطقة ككل، وعلى الدول الاقليمية المعنية ايضاً.
فتحت شعار "محاربة داعش والقضاء عليها"، افتتحت السعودية "مزاد" المشاركة في قوات تحالف دولي ليس فقط في الجو، بل في البرّ ايضاً، وهدفها محاربة "داعش" في سوريا، وسرعان ما انضمّت اليها اصوات كثيرة من دول خليجية. ولكن العديد من المراقبين شكّك في هذا الكلام، واعتبره مجرد رفع سقف كلامي للحصول على مطالب معينة ترغب فيها السعودية، وعلّل هذا البعض رؤيته بالاسباب التالية:
1- ربطت السعودية دخولها البري الى سوريا، بأن يكون تحت مظلة تحالف دولي بقيادة اميركية، وهذا يعني امرين: الاول موافقة اميركية على المشاركة البرية في الحرب الدائرة في سوريا، وموافقة الامم المتحدة (مجلس الامن) على هذا التدخل ليكتسب شرعيته المطلوبة. هذان الشرطان سهلان من الناحية النظرية، اما من الناحية العملية فقد يبدوان أبعد بكثير من متناول أي جهة، ومن المستحيل ربما تنفيذهما. فالولايات المتحدة باتت على ابواب المعركة الانتخابية الرئاسية، ولن يفرّط اي من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في اي فرصة للفوز بالانتخابات من خلال الدخول في هذه المغامرة المجهولة النتائج، ناهيك عن رفض الرأي العام الاميركي بأي شكل من الاشكال العودة الى القلق على مصير الجنود ورؤية مشاهد الإعدامات والرؤوس المتدحرجة في حرب غير مضمونة.
اما الحصول على تفويض من المجتمع الدولي، فهو بعيد المنال بسبب الوجود الروسي والصيني الذي يقف بالمرصاد امام محاولات دبلوماسية في مجلس الامن، ومن البديهي ان يكون الفيتو هو "سِلاح الدمار الشامل" لاي قرار يمكن ان يصدر في هذا السياق.
2- لا يمكن للسعودية ان تدخل فعلياً في "مستنقع سوريا" وهي التي عاينت ما كلّفه تدخلها الجوي في اليمن من خسائر، علماً ان الاعتماد سيكون عليها للمساهمة في العدد الاكبر من الجنود، فيما هي بأمس الحاجة الى كل جندي من اجل ضبط الامن والحفاظ على الاستقرار، علماً ان تواجدها العسكري في البحرين واليمن لا يسهّل مهمتها. اضافة الى ذلك، لا يملك الجيش السعودي اي خبرة ميدانية في ما يعرف بـ"قتال الشوارع" وهي مواجهات قادرة على استنزاف اي جيش منظم على يد مجموعات من المسلحين، ولعل ما يحصل من حروب في العالم وبالتحديد ما شهدته سوريا، خير دليل على ذلك.
3- من المستغرب تجاهل دولتين اساسيتين في هذا الطرح: روسيا وايران. فالروس متواجدون بقوّة في سوريا، واي تدخل برّي دون موافقة موسكو من شأنه ان يدفعها الى الرد بالمثل مع كل ما يعنيه ذلك من توتّر دولي وليس فقط اقليميًا. اما على الصعيد الايراني، فإن اي احتكاك مع الطرف السعودي سيفجّر الصراع السنّي – الشيعي ويدخل المنطقة بدوامة من العنف لن تقف عند حدود.
وهنا يجب السؤال: هل ستقبل واشنطن واوروبا بمثل هذا الامر؟ علماً ان الجواب معروف سلفاً.
4- من شأن التدخل السعودي البري في سوريا، ان يعزز القلق من امكان حصول مشاكل في البلاد وموجة من عدم الاستقرار قد تدفع الرياض ثمنها غالياً، وهو حال العديد من دول الخليج واولها البحرين التي لا تزال تشكو وتتهم ايران بالتدخل في شؤونها الى حد طلبت فيه التواجد العسكري السعودي على اراضيها منذ العام 2011.
5- لا يمكن للسعودية ان تعتقد ان الطرح الذي تقدمت به مشابه للطرح الذي حصل بعد غزو العراق للكويت عام 1990، حيث حشدت الولايات المتحدة دولاً من كافة انحاء العالم ومن الدول العربية تحديداً لتحرير الكويت واعادة العراقيين الى اراضيهم. فلا الوضع السياسي مشابه لما حصل في ذلك الوقت، ولا الوضع الميداني ايضاً يصبّ في هذا الاتجاه، ناهيك عن عدم رغبة اميركية واضحة في التدخل البرّي، مع الحرص على تفادي اي مواجهة مع روسيا وايران.
في المحصلة، وبعد هذه النظرة السريعة، يمكن وضع الكلام السعودي في اطار الكلام العالي فقط. ووفق عدد من المراقبين، فإن الهدف الحقيقي من هذا الطرح هو تحقيق مكاسب سياسيّة اهمها التخلص من نظريّة دعم السعودية لـ"داعش"، حيث انها تحصل على "براءة ذمة" في هذا الموضوع ولا يمكن لاحد ان يتهمها بمثل هذا الامر مجدداً.
كما ان من شأن هذا الطرح ان يضمن حصولها على تطمينات سياسيّة حول أيّ حل مرتقب، في ظل التطورات الميدانية التي سجّلت في الفترة الاخيرة تقدماً واضحاً للجيش السوري بفعل الضربات الروسيّة الجويّة، والتقليل قدر الامكان من المكاسب الايرانية، والمحافظة على الفصائل والمجموعات المعارضة التي تدعمها الرياض.