هل هي التناقضات في المشهد السياسي، فيهدي ملك البحرين حمد بن خليفة سيفاً دمشقياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويتمنى له النصر، في عز الازمة بين موسكو والرياض وتكرارالتهديدات السعودية بالتدخل في سوريا؟ هل ذهب ملك البحرين الى سوتشي من دون موافقة او تنسيق الزيارة مع السعوديين، أم انه ذهب سفيراً ينقل رسائل دول مجلس التعاون الخليجي (تحديداً السعودية) للروس؟ كانت هدية السيف الدمشقي "نصر" تحمل دلالات في الشكل، زادها مضمون الحديث عن وجوب التعاون، تأكيداً بوجود رسالة خليجية مهمة سرية للغاية.
التفاوض تحت النار. قد تصحّ هذه المعادلة. روسيا تغطي اهم تقدم عسكري لسوريا وإيران و"حزب الله" في ريف حلب، في وقت تنهار فيه جبهات المسلحين في معظم المناطق السورية، اما بالمصالحات والتسويات أو بقوة المواجهة العسكرية (نماذج أرياف درعا ودمشق وحمص)، ما استدعى استنفاراً سعودياً - تركياً على الجبهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية.
رفعت أنقرة من سقف تهديداتها، الى حد اعلان رئيس وزراء تركيا احمد داود أوغلو ان بلاده لن تترك حلب. هو استعاد محطات تاريخية للقول أنّ اهالي حلب دافعوا عن مدن تركية، وبالتالي لن يترك الاتراك الحلبيين. بذات الوقت، نفت انقره صحة الأنباء التي تحدثت عن جهوزية 150 الف عسكري تركي للدخول الى سوريا. لكن كيف يُترجَم كلام أوغلو؟
الجيش السوري وحلفاؤه باتوا على بعد عشرين كيلومترًا من الحدود التركية. كانت تعتقد أنقرة ان المجموعات المسلحة ستصمد، لكنها انهارت تدريجياً، فسارع أبناء المناطق في ريف حلب لعقد مصالحات مع الدولة السورية، كما الحال في التفاوض القائم مع اهالي تل رفعت. المفارقة ان اهالي نبل والزهراء الذين حُصروا لثلاث سنوات هم يلعبون أدوار الوسطاء لفرض الحلول التسووية في ريف حلب من دون مواجهات مسلحة.
في الساعات الماضية وصلت رسائل من بلدة أعزاز القريبة من تركيا تفيد ان الأهالي مستعدون للقتال مع الجيش السوري فور وصوله الى مشارف البلدة.
تلك هي الأجواء التي أسقطت حلماً تركياً إزداد نموّه في السنوات الأربع الماضية. فثارت انقره تطالب بوقف التمدد العسكري السوري الى حدودها. من الطبيعي ان تكون ردة الفعل التركية ساخنة، خصوصاً بعد تطورات ريف اللاذقية وسقوط ربيعة وسلمى بيد الجيش السوري، والتحضير لمعارك ادلب وجسر الشغور.
لكن اين هي حدود التهديد التركي؟
تعرف أنقرة ان استعادة دمشق لريف حلب هو نتيجة قرار سوري - روسي - إيراني. فهل تتحمل تبعات مواجهة تلك الدول التي تحيطها من جوانب عدة؟
في الساعات الماضية جرى تسريب معلومات عن استعداد سوري لاستخدام صواريخ ثقيلة ضد قواعد تركية في حال شنت انقره اي هجوم على سوريا. اساساً كانت موسكو استعدت لهذا السيناريو وزودت دمشق بصواريخ "اس 300" تحسباً.
سعودياً يجري النقاش في حجم التهديدات حول التدخل المحتمل في سوريا. بالأساس كانت ركزت الرياض على القول ان خطوتها هي ضد تنظيم "داعش"، ما يعني حصر التدخل في المناطق الشرقية اي في دير الزور والرقة. بالنسبة الى متابعين، فإن الدخول السعودي في تلك المساحات المتصلة بالعراق، هو لجذب المقاتلين الى هذه المناطق بعد فقدان الأمل من اوضاع الريف الشمالي الذي يقع قرب حدود تركيا.
في الرياض كلام إعلامي يخرج احياناً عن الواقعية، و تفكير وفق مقولة نيكسون: "يجب أن يدرك أعداؤنا أننا نتحول إلى مجانين حين تتعرض مصالحنا للخطر"، ما يفسّر التهديدات السعودية والتصعيد بوجه ايران والحديث الاعلامي عن قُرب حسم الساحة اليمنية.
لكن هل تتحمل السعودية فتح جبهات عدة؟ بالكاد تستطيع هضم كلفة حرب اليمن عسكرياً وماليا. ثم ان الاعتماد على باكستانيين وسودانيين أثبت عدم جدواه. اما مصر فلا تُماشي الرياض في كل مشاريعها، خصوصا اذا تعلق الامر بسوريا. وعلى الخط الاردني خطوات محدودة للبقاء بين معادلتين، كلما مالت إحداها مالت معها المملكة تأييداً.
بالنسبة الى السعوديين فإنهم يخوضون حرب وجود ضد محور تقوده ايران من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة ثانية. هم يعترفون ان التنظيم سيقاسمهم ساحة اليمن ان سيطروا عليها. لن يتركهم يسيطرون بهناء. اما خسارتهم في اليمن ان وقعت، سيتحملونها وحدهم.
في العراق وسوريا، لم يظهر في قاموس السعوديين حتى الآن تسليماً مطلقاً بالدور الإيراني. على هذا الأساس تُرصد محاولة سعودية لإعادة العلاقة مع الروس على قاعدة ابعاد موسكو عن طهران. ربما تأتي الزيارة الملكية البحرينية في هذا السياق.
حتى الآن وحده ريف حلب يرسم المعادلة الإقليمية. المفاوضات تجمدت ولا وجود لآفاق سياسية واضحة، رغم المؤتمرات المرتقبة في ميونيخ وبروكسل. تغيرت خريطة الحسابات التركية والسعودية. لم تستطع انقره إجهاض قوة الكرد الذاتية في شمال سوريا، ولا الحفاظ على ريف حلب خاضعاً لنفوذها. هي تريد "سوريا المفيدة" من دون حلب و ريفها، بينما فرضت دمشق وحلفاؤها تلك المساحات الشمالية في المناطق العائدة الى البيت السوري. لم يقترب الروس من المناطق الشرقية. هناك تنحصر تصفية حسابات "التحالف الدولي" ومن ضمنه السعودية مع "داعش". فهل يكون الشرق وحده خارج المناطق "المفيدة"؟