أثمر التعاون الروسي - الإيراني انتصاراً مرحلياً في سورية، وهو على مشارف الانتصار الواضح في الميدان العسكري والمفاوضات السياسية، سواء في جنيف أو غيرها، ويحاول البعض تحليل هذا التعاون وآفاقه على قاعدة الخلاف والتنافر عند الحصاد السياسي الأخير.
لكن القارىء لأهداف هذا التعاون الذي يُخفي تحالفاً غير معلَن لخصوصيات الطرفين يرى أن هناك تقاطعاً في المصالح بين الطرفين، وحاجة الواحد منهما إلى الآخر، لامتلاك كل منهما ما يحتاجه الآخر لتثبيت دوره في السياسة العالمية وحفظ أمنه ومصالحه القومية على كل المستويات.
الطامح لامتلاك دور إقليمي أو دولي بحاجة إلى ثلاث أوراق من القوة: القوة البشرية والتسليحية، القوة السياسية، والقوة الاقتصادية، وإذا استعرضنا كلاً من روسيا وإيران فنرى أن روسيا تمتلك القوة السياسية والتسليحية لكنها تفتقر إلى القوى البشرية، مع أن عدد سكانها أكبر من إيران، لكن الهرم السكاني والأراضي الروسية الشاسعة تجعلها ضعيفة بالعديد، بينما تستطيع إيران تجنيد الملايين من الحرس الثوري والجيش والتعبئة، والأكثر من ذلك قدرتها على تأمين القوى الشعبية المسلَّحة داخل ساحات القتال المشتعلة في الشرق الأوسط، وهذا ما تفتقر إليه روسيا.
أما إيران فتفتقر إلى القوة السياسية على مستوى مجلس الأمن والهيئات الأممية، وهذا ما يعوّضه الحضور الروسي، وفي المسألة الاقتصادية يستطيع الطرفان النجاة من الحصار وتخفيف عواقبه بالتعاون المشترك.
بعدد نجاح التعاون الروسي - الإيراني في سورية، وجني الأرباح عبر محاصرة وتحجيم المشروع الأميركي، وكذلك الدور التركي والجنون والارتباك السعودي، يتجه الثنائي الروسي - الإيراني إلى توسعة مروحة التعاون ابتداء من المنطقة إلى مناطق وساحات أخرى وصولاً إلى حماية فضائهم الأمني، وتأمين المشاركة مع أميركا في ملفات المنطقة، وترسيخ منظومة العالم المتعدد الأقطاب، وإنهاء عصر القطب الأميركي الواحد، والذي بدأت أميركا بتقبُّله في مشهدية "جنيف3"، حيث انتقلت الرعاية من الأحادية الأميركية إلى الثنائية مع روسيا، وبطريقة ندّية، على حساب الدور الأوروبي، والتركي أيضاً، ليظهر عبر تسلل اليد الروسية إلى دول الخليج، أي إلى غرف النوم الأميركية، حيث استقبل الرئيس الروسي كلاً من أمير قطر وملك البحرين وشيخ الإمارات، وتمّ تناول التعاون بشقّيه السياسي والاقتصادي، وطمأنة الخليجيين ووضعهم في صورة الواقع الجديد، أي التقاسم بين أميركا وروسيا، ويتحدث الروس في الخليج باسم الإيرانيين وقوّتهم.
لن يكتفي الروس والإيرانيون بذلك، بل سيكرّسون تعاونهم في اليمن، لأهميته الاستراتيجية، ولتحذير السعودية بأن أي تحريك للمسلمين في الجمهوريات الروسية أو بلوشستان والأهواز في إيران، سيتم الردّ عليه مباشرة من اليمن، وفي الداخل السعودي، وذلك لتقييد السعودية من التخريب الخارجي، مع وجود ثأر قديم عند العسكريين الروس (الجيش السوفياتي سابقاً) ضد السعودية، بسبب دعمها وتمويلها لـ"القاعدة" ضد السوفيات في أفغانستان، وينتظرون الوقت المناسب لتنفيذ عملية "الثأر القاصم".
لقد أصبح الثنائي الروسي - الإيراني السياسي والديني أمراً واقعاً في الشرق الأوسط، حيث ستتبنى روسيا حماية المسيحيين المشرقيين (الأرثوذكس)، وإعطاء الكنيسة دوراً أكبر، تحسُّباً لما سيجري ضد روسيا من حروب ومواجهات، فهي بحاجة إلى شدّ العصب القومي للروس، والذي يتميزون به، ومؤازرته بالعصب الديني، مادامت السعودية وأميركا تستعملان الجماعات التكفيرية بعنوان ديني لهزيمة السوفيات سابقاً، ولحصار روسيا وتفكيكها ثانية بعنوان "حقوق المسلمين في روسيا"، ولذا أصبح الدور الروسي أساسياً في المنطقة، حتى في لبنان وسورية، فهم شركاء في السياسة، وبمصير المسيحيين وحمايتهم وممثليهم.
المطالبة بـ"حقوق السُّنة" في العراق وسورية ولبنان، وهذا حق لهم، ستقابله المطالبة بـ"حقوق الشيعة" في السعودية والبحرين والخليج، وهو حق لهم أيضاً، وهذا ما ستكون عليه المرحلة الأخيرة من التسوية الكبرى التي تُنهي ما سُمّي "الربيع العربي"، ولذا لن يكون لبنان خارج هذه التسوية، ولن تُعطى السعودية في لبنان دون أن تعطي في السعودية والبحرين وغيرها، ليس على صعيد الشيعة بل على الصعيد المسيحي والسُّنة غير المنضوين تحت الراية السعودية.
يطمح الروس لعلاقات مع المسلمين سُنة وشيعة، وكذلك مع المسيحيين، لأنهم بدأوا بترسيخ الإمبراطورية الروسية الجديدة بعد انهيار الإمبراطورية الأممية الشيوعية في العالم.