تطلق روسيا يومياً بعد يوم المزيد من المفاجآت السياسية والعسكرية في سورية، أبرزها اصطياد كبار قادة المجموعات الإرهابية المسلحة في مخابئهم المحصنة، لاسيما في الآونة الأخيرة.
بالتأكيد لغرفة العمليات العسكرية الروسية - السورية دور كبير في تحديد الأهداف المراد قصفها بالطيران الحربي والصورايخ، خصوصاً مراكز القيادة والتحكّم، ومخازن الأسلحة ومعسكرات التدريب التابعة للمسلحين التكفيريين، إضافة إلى طرق إمدادهم إلى الدول المجاورة، تحديداً نحو تركيا والأردن.
لكن ما هو أجدى من غرفة العمليات المذكورة، والاستعلام الإلكتروني في عمليات قنص كبار الإرهابيين، هو الاختراق الأمني الروسي للمسلحين، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية، لاسيما التكفيريين القادمين من القوقاز وبعض بلدان الاتحاد السوفياتي السابق قبل مجيئهم إلى "الجارة الأقرب"، أي تغلغل رجال الاستخبارات بين الإرهابيين في بلدهم الأم، ثم مرافقتهم إلى سورية، وبالتالي تحديد أماكنهم لمصلحة غرفة العمليات المذكورة آنفاً، حسب ما تؤكد مصادر عليمة .
وتكشف أن هذا الاختراق أسهم في استهداف عدد هام من متزعمي المجموعات المسلحة على امتداد الأراضي السورية، ما أدى إلى شرذمتها وتضعضع صفوفها، وفقدان الثقة بمشغليها.
بالتوازي مع عمليات قتل "أمراء الإرهاب"، يستمر الجيش السوري في تقدُّمه على مختلف جبهات القتال، ويركّز على قطع طرق إمداد المسلحين إلى تركيا، لاسيما في محافظتي حلب واللاذقية، حسب ما تنقل مصادر ميدانية متابعة.
لاريب أن التطورات الميدانية الأخيرة، خصوصا في شمال البلاد وجنوبها، تجري لمصلحة الحكومة السورية، بفضل الدعم الروسي - الإيراني، كما سيعزز ذلك أوراق قوتها في أي عملية سياسية مرتقبة، فقد بات من المؤكد أن "الجارة" تخطّت عتبة الخطر، بفضل دعم حلفائها، وفي طليعتهم روسيا، وبالتالي بدأت بشائر الأمل لدى السوريين تلوح في الأفق على وقع التطورات الميدانية الأخيرة، لاسيما في الشمال، مروراً بالغوطة الشرقية لدمشق، وحمص في الوسط، حيث تشير الوقائع إلى فشل دور كل من أنقرة والرياض في إسقاط الدولة السورية، مع العلم أنهما تمكّنا من تدمير سورية، وقتل عدد كبير من أبنائها، وتدمير اقتصادها، لكن يبدو أن دورهما وصل إلى مرحلة الأفول ثم الانكفاء، خصوصاً بعد نجاح القوات السورية في تطويق مدينة حلب مؤخراً.
على ما يبدو فإن كل المجريات السياسية والعسكرية تسير نحو تنفيذ الخطة التي اقترحتها موسكو في السابق، والتي تفضي إلى حل سياسي قائم على ثلاث ركائز أساسية: تشكيل حكومة موسعة، تبقى فيها الوزارات الرئيسية في يد السلطة الحالية، ثم تعديل الدستور، يلي ذلك إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، بالتالي فإن الشروط المسبَقة التي كانت تضعها الدول الراعية للمجموعات المسلحة، أبرزها شرط تنحّي الرئيس بشار الأسد، لم يعد مطروحاً على طاولة البحث في أي مفاوضات مرتقَبة بين الحكومة و"المعارضة"، وما يؤكد ذلك، أي التوجُّه الدولي للعودة إلى اعتماد الحل الروسي للأزمة السورية، حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين كشف أن واشنطن تحاول تحميل بلاده مسؤولية ما يحدث حالياً في سورية وأوكرانيا، "لكن في الوقت ذاته يهرعون إلينا طالبين المساعدة في حل الأزمة السورية، وضمان وقف إطلاق النار، بعدما أصيبت باليأس نتيجة سياستها".