مرّت أشهر على قرار الحكومة اللبنانية الموافقة على ترحيل ​النفايات​ لمدة 18 شهرا دون أن تبدأ هذه العملية رغم "المواعيد" الكثيرة التي ضربت لها، واخرها كان نهاية شباط الجاري الى ​روسيا​. ولكن يبدو ان هذا الموعد لن يتحقق أيضا بعد ان تناقلت وسائل الاعلام معلومات تشير الى ان الموافقة الروسية على استقبال​ النفايات​ اللبنانية مزورة(1). فماذا عن قبرص؟

في 29 كانون الثاني من هذا العام أرسل وزير البيئة محمد المشنوق طلبا الى وزارة البيئة القبرصية بشأن التخلص من النفايات الصلبة المنزلية على اراضيها عبر شركة "SKYRA"، وفي 15 شباط الجاري وحسبما علمت "النشرة" وصل الرد الرسمي القبرصي على لسان مدير في وزارة البيئة القبرصية، برسالة خطية أرسلت الى وزارة البيئة اللبنانية والى شركة "شينوك" وشركة "M.S (SKYRA) VASSAS LTD" التي هي الشركة الاكبر في قبرص لادارة المقالع وتملك أكبر مقلع بحص في قبرص، وفيها "رفض رسمي" للطلب اللبناني، مع ذكر أسباب هذا الرفض التي ارتكزت بشكل أساسي على مخالفة نظام الاتحاد الاوروبي.

ومن تعليل الرفض كما اوردها المدير في وزارة البيئة القبرصية، انه حسب المادة 11-أ من نظام الاتحاد الاوروبي 10132006 المتعلق بترحيل النفايات، فإن العملية والتخلص المُعدّة من قبل وزارة البيئة اللبنانية أولا لا تتلاءم وأحكام الاجراءات التي يجب ان تتخذ لجهة التنفيذ آخذة بعين الاعتبار أقرب الحلول جغرافيا، اضافة لأولويّة الاسترداد وامكانية التخلص من النفايات على المستوى الوطني.

ثانيا، كان الرفض لأن عملية الترحيل المخطط لها وعملية التخلص من النفايات لا تتلاءم والتشريعات المحلية المتعلقة بحماية البيئة والمصلحة العامة والسلامة العامة والصحة، خصوصًا ان مراكز معالجة النفايات القبرصيّة لا تحمل الترخيص لإدارة النفايات ولا يمكنها ان تدير عملية التخلّص من النفايات بشكل بيئي سليم، وأخيرا لأن مراكز معالجة النفايات في قبرص لا تحمل الترخيص الذي يسمح باستخدام أفضل تقنيات المعالجة المطلوبة، وأن النفايات المنوي ترحيلها هي نفايات غير مُفرزة.

لا تقف القضية عند حدود الرفض القبرصي، بل لا بد من التطرق لنقاط عدة أبرزها، أن هذا الرفض جاء لاسباب تتعلق بمخالفة الأنظمة الأوروبية وبالتالي فإن دول الاتحاد الاوروبي بأكملها لن تقبل ان تستقبل نفاياتنا، كذلك فإن الانظمة الاوروبية تعمل ضمن اتفاقية "بازل" الدولية، ما يعني ان ترحيل النفايات بالشروط التي يحاول لبنان نيل الموافقة عليها، مخالف للاتفاقية المذكورة.

والامر الآخر الذي يجب الاشارة اليه هو تدخل وزير البيئة في ملف قد أعلن استقالته منه سابقا. هذا التدخل قد يبدو مفهوما عند الاشارة الى الطريقة السليمة قانونيا لعملية ترحيل النفايات، إذ ان اتفاقية "بازل" فرضت على الدولة المُصدِّرة أن تستحصل عبر وزارة البيئة فيها على موافقة الدولة المُصَدَّر إليها، أي ان كل ما كان يُحكى عن شركة "شينوك" وأنها بصدد الحصول على موافقات من الدول المستوردة هو امر مخالف للأنظمة والقوانين العالمية(2).

لم يكن الرفض القبرصي مفاجئا، لأن المسؤولين عن هذا الملف يعلمون جيدا أن الترحيل لا يمكن أن يتمّ وفق الشروط الدولية، وأن عملية كهذه ليست بسيطة للتلاعب بها كما تلاعبوا بهذا الملف في لبنان، فبعد التزوير الذي حصل في سيراليون، والتزوير الذي فاحت رائحته مؤخرا في المستندات الروسية، يبدو أننا أمام شبكة تزوير تحاول "ترقية" الفساد المحلي الى رتبة "عالمية".

(1)أوردت وكالة "تاس" الروسية، بياناً لوزارة البيئة الاتحادية الروسية نفت فيه موافقتها على التخلص من النفايات اللبنانية على أراضي الاتحاد الروسي، ووصفت المراسلات الخاصة بالموافقة بأنها وهمية ومزورة.

وصرح الناطق باسم وزارة البيئة الاتحادية الروسية نيكولاي غودكوف: "الوثيقة التي قامت بتسليمنا إياها سفارة الجمهورية اللبنانية بخصوص موافقتنا على استقبال النفايات هي وثيقة مزوّرة. بعد اكتشافنا التزوير، ناشدنا الجهات المعنية ملاحقة المشاركين في هذه الأعمال غير المشروعة، وجلبهم للمساءلة القانونية". أضاف: "إن تصدير النفايات يخضع لاتفاق "بازل" وذلك يخضع لإجراءات محددة ومعقدة حيث يقع على البلد الأجنبي تقديم مذكرة وفق نموذج محدد إلى السلطة المعنيّة بإدارة الاتفاق وليس إلى وزارة البيئة الروسية كما ورد في الوثيقة المزوّرة، ولا يمكن لأي دولة ان تتصرف بمفردها في هذا الشأن".

(2)لتوضيح الطريقة القانونية لترحيل النفايات نقدم لكم مثالا "نفايات الجامعة الاميركية في بيروت". فمراكز البحوث في الجامعة الاميركية تصدر نفايات معيّنة الى الخارج، وهذه الطريقة تتم عبر التالي: ترسل الجامعة طلبا الى وزارة البيئة لأجل تصدير انواع محددة من النفايات، وتحدد اسم الدولة المراد التصدير اليها (بريطانيا غالبا) فتقوم الوزارة بتقييم النفايات والتأكد من الشروط المطلوبة وتراسل وزارة البيئة في الدولة المُراد التصدير اليها وتستحصل منها على موافقة رسمية، كذلك تقوم الوزارة بالتواصل مع الدول التي ستمر عبرها النفايات (الترانزيت) وتستحصل على موافقتها أيضا، ثم تتم عملية التصدير.