لو قدر لجلسات المحكمة العسكرية الدائمة التي كان مدرجاً على جدول اعمالها استثنائياً البارحة بقرار من رئيسها العميد الركن الطيار خليل ابراهيم بعد تعذر السير بها مع العدد الهائل من الجلسات التي تفوق المئة، لكانت هيئة المحكمة والنائب العام المفوض القاضي داني الزعني والموقوفون والمحامون باتوا ليلتهم في قاعة المحكمة التي ضجت جدرانها بما ادلى به الموقوفون ومعظمهم من كبار تجار المخدرات ولكن ابرزهم فواز علي الطقش الذي لم يتسنَّ الوقت لسماع افادته، لكن اسمه تردد على السنة جميع السجناء والموقوفين كقائد لعمليات التجارة في سجن رومية الخارجية والداخلية، فهو كان يتولى معظم الحقائب والتي جعلت منه «نجماً» لكن يد العدالة لا بد ان يبزغ فجرها، وهذا ما حصل في كانون الاول عام 2013 عندما تمكن مكتب مكافحة المخدرات بالتنسيق مع شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي وبناء على معلومات توافرت عن وجود اشخاص يتاجرون بالمخدرات في عدة مناطق لبنانية وتم رصد مكان نشاطهم وتتبع حركة اتصالاتهم الى ان تم كشف رأس الشبكة، والمفاجأة انه لم يكن حراً طليقاً بل نزيل سجن رومية وهو فواز علي الطقش، الذي كان يدير غرفة عمليات من داخل مقره ويحرك شبكته التي تمتد من البقاع الى بيروت وجبل لبنان حيث كانت عمليات التسلم والتسليم تحصل في عدة اماكن وتنطلق من قرب افران الهادي في الضاحية الجنوبية ولها عدة نقاط منها عين السكة في برج البراجنة، صحراء الشويفات، الشياح، الدكوانة، كاليري سمعان ضمن مجمع الغالاكسي وسن الفيل قرب البيروت مول وفي منطقة مار الياس.

هذه الشبكة التي تضم عدداً كبيراً من الاشخاص المدنيين، لم تكن تعمل منفردة بل تتعاون مع عناصر من قوى الامن الداخلي وحتى طبيب الاسنان الذي كان يعاين السجناء واللافت وفق التحقيقات التي اجراها مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني والتي دامت 6 ايام متتالية وبسرية تامة، فان سجن رومية كان يزود يومياً بنصف كيلو من الكوكايين وكيلو ونصف من الحشيشة وبين 300 و500 من الحبوب المخدرة. وقد رفع آنذاك القاضي الزعني تقريراً بعد انتهائه من التحقيقات الى القاضي صقر صقر وبنتيجتها تم توقيف حوالى 37 شخصاً.

وقد تمكن العميد ابراهيم من استدراج بعض هؤلاء التجار للاعتراف على زملائهم في المهنة وكيفية نقل المخدرات، لكن اعتراض بعض المحامين على الادلة المقدمة من قبل شعبة المعلومات ومكتب مكافحة المخدرات المركزي، نوه القاضي الزعني بعمل عناصر وضباط شعبة المعلومات وعلى التقنيات الالكترونية الحديثة التي استعملها لكشف عمليات نقل المخدرات خارج السجن وداخله عبر هذه التقنيات عن طريق تعقب الاتصالات واكد في هذا الإطار وجود حوالات مادية من دول اجنبية الى اهالي واصدقاء بعض السجناء تبين طريقة دفع ثمن المخدرات المتاجر بها وهي مبالغ خيالية وبناء عليه انتزع العميد ابراهيم اعتراف احد المتهمين الذين يحملون الجنسية الاوسترالية ويدعى «ايك» والذي تم استخراج لائحة بتحويلات مالية من خارج لبنان الى داخله من هاتفه النقال بلغت قيمتها حوالى 47 الف دولار اميركي بعدما اطلع القاضي الزعني على الحساب الخاص بالمتهم الذي كان يتلقى عليه البريد الالكتروني حيث تبين ان هذا المبلغ تم تحويله خلال شهرين الى بعض المقربين من تجار المخدرات خارج السجن وقد تم ذكر بعض الاسماء التي تلقت مبالغ تفوق الـ 2000 دولار ومنها ع. مظلوم - ر دندش - خ صالح وح. علو ا.الحاج وهـ . الطقش وغيرهم واللافت ان هناك العديد من النساء بين الاسماء التي ذكرت.

ـ وصول موقوفين من سجن زحلة ـ

وقد افتتح العميد الجلسة بمعاونة المستشار المدني القاضي حسن شحرور وبحضور القاضي داني الزعني وقد ارجئت القضية الاولى والتي تتعلق بهذا الملف الى 22/3/2016 بعدما تغيب عدد من المحامين وعدم سوق بعض الموقوفين لعدة اسباب ومنها تمنع البعض عن حضور الجلسات، وكان للعميد ابراهيم موقفا من موضوع عدم سوق المتهمين خلال مراجعته لمدير عام قوى الامن الداخلي اللواء بصبوص وكان مصير الجلسة الثالثة التأجيل في حين اكتملت الخصومة في الجلسة الثانية بعد انتظار هيئة المحكمة وصول دفعة من الموقوفين في سجن زحلة وقد دخل السجين الاخير وبدأ بمصافحة زملائه الذين كانوا يقبعون معه في سجن رومية بعدما فرقتهم هذه القضية.

وقد تخلل الجلسة صراخ من بعض هؤلاء فمنهم من طلب محاكمته وفقا لافادته والبعض الاخر اصر على براءته، لكن اللافت ان جزءا كبيرا حاول التملص من افادته لا سيما وان العميد ابراهيم كعادته ينطّق اكثريتهم بأسلوبه وخصوصا عندما انكر معظمهم ما ورد على لسانهم لناحية اتهام العديد من الموقوفين بتهمة الاتجار بالمخدرات، وقد علا صوت البعض الآخر مطالباً باخلاء سبيله، وهنا رد العميد على معظمهم قائلاً انه عندما اطلع على الافادات والملفات بالكامل وقع عدة اخلاءات سبيل لكن النيابة العامة فسخت القرار عدة مرات وهو اليوم خصص يوماً كاملاً لمتابعة القضية، وقد استجوب بداية احمد ديبو امهز الذي مضى على وجوده في رومية 8 سنوات بتهمة سلب سيارات نافياً ان يكون قد تعاطى المخدرات عندما سأله العميد عن نقله المخدرات من مبنى الاحداث الى مبنى المحكومين وان راغب الحسن وشقيقه اكدا هذا الامر في افادتهما، اجاب ديبو ان رومية مليئة بالمخدرات ولكنه كان في النظارة 8 من مبنى الاحداث، وقد سئل راغب عن الامر حيث اجاب ان ديبو كان حراً آنذاك ولكنه عندما سجن في مبنى المحكومين كان الاخير في مبنى آخر، مؤكدا انه كان يأخذ المخدرات من الطقش ولا صلة له بديبو.

اما المتهم الآخر علي الحاج حسين فهو موقوف بدعوى مخدرات، لكنه انكر ان يكون قد تزود بالمخدرات من عنصر في قوى الامن الداخلي يحمل اسم عائلته وهو لم يتعاط المخدرات نافياً ما قاله احد المتهمين من آل علو عن هذا الامر، مؤكدا انه ايضا لم يتهم عائلة علو بالامر وانما هذا ما اورده التحريون متوجها الى العميد بالقول «ريس من بعد امرك دخل عينيك ما جبت حدا».

ـ تعاطي المخدرات ـ

اما عصام الحسن فقد نفى علاقته بالطقش لافتاً الى انه لا يتعاطى المخدرات انما شقيقه راغب الذي اصبح للاول في ذمة اخيه حوالى 700 دولار مؤكداً ان الطقش اورد اسمه انتقاماً من شقيقه الذي كان يشتري «الكيس» بـ200 دولار وهو كان يرى ما يحصل ولا يتدخل، اما شقيقه راغب فلم ينف تعاطيه المخدرات لكنه كغيره نفى معرفته بكل الاسماء المذكورة بافادته مؤكداً انه كان يشتري المخدرات من الطقش لافتاً الى ان 3 ارباع المبنى يتعاطى المخدرات عندها سأله العميد عن استعمالهم عبارة «هيدا زبون نضيف» للشاب الاوسترالي هنا انتفض احد الموقوفين ليؤكد ان الاشكال فقط يتعلق بالخلاف بين ال علو وعلام، وقد اكد راغب ان المدعو «ابو زمور» هو الذي جلب اسماءهم في هذه الدعوى وهنا انعش العميد ذاكرة راغب قائلا انه «علي عبد الرزاق» وقد سرد المتهم كيفية استعماله للحشيشة لا سيما وان «الاصبع» كما قال الذي يكلفه 200 دولار لا يكفيه اكثر من يوم ونصف اليوم لذا كان يقوم بتحميص حوالى 6 سجائر في الآنية المخصصة لتحضير القهوة ويضيف اليها الحشيش ومن ثم يضعهم في قنينة مياه ويوصلها «بنبريش» وتصبح كالنرجيلة وهو كان يتعاطاها يومياً. وعندما حضر الاوسترالي الك طلب القاضي الزعني الاطلاع على هاتفه النقال بعدما اكد الاول انه يحتفظ بالحوالات، كما ان العميد ابراهيم قد اطلع عليها في الملف وعندها بدأ القاضي الزعني بطرح الاسئلة على صاحب الهاتف حول الاسماء التي ارسل لها الحوالات وقد نسي معظم الاسماء ولكنه تذكر عدة اشخاص كانوا يعملون لحساب المدعو هيثم علو واشار الى ان زوجته ارسلت حوالة لشخص من آل دندش بقيمة 700 دولار وهنا سأله الزعني عن الاغراض التي ادعى انه اشتراها وهي بلغت قيمتها 21 الف دولار ارسلت عبر 17 حوالة، وهنا بالطبع هذه الاغراض هي مخدرات وقد انتفض هيثم علو متوجها الى الاوسترالي بالقول «رح فوتك بدعوى» عندها انتهره العميد وطلب من كاتب المحكمة ان يدون ما قاله علو.

ـ كتب الاسماء على ورقة ـ

وبمتابعة الاستجواب مع باقي المتهمين ومنهم شربل كسرواني الذي اكد انه كان يشتري الكوكايين من الطقش نافيا ما ورد في افادته التي تم فيها ذكر احمد فرحات والاخوين علام قائلا «ريس فرجيني امضائي من بعد اذنك» اما نوح عبد النور فلم ينف تعاطيه المخدرات ونفى هو الاخر ما قاله عن الطقش بانه اورد اسمه كونه مقرباً من آل علام وعندما احضر المتهم عباس ضاهر توجه الى العميد بالقول «صباح الخير» وكانت الساعة قد قاربت الثانية بعد الظهر ولكن كما قال له العميد «طلع الصبح وهيئتك طابخها»، وهو اكد ان كنانة علو كان يرسل المخدرات.

اما محمد علي الحاج فقد اكد للرئاسة انه سأل الطقش عن سبب ذكر اسمه في الملف، فأجابه انه اورد الكثير من الاسماء وهو لم يتعاط المخدرات كونه كان يقبع في مبنى «ب»، والجميع يعلم ان هذا الامر ممنوع هناك.

اما اللافت في الاستجوابات هو ما قاله علي مهدي دندش الذي اكد ان نصف المبنى يتعاطى المخدرات وهو ذكر اسم الطقش كمروج وهو لا يتذكر غيره عندها سأله العميد «ان كنت جريئاً تجيب على السؤال» فاجاب انا اخاف من ان يقوموا بزج اسمي في دعوى اخرى، وقد طلب منه العميد ان يكتب الاسماء على ورقة لهيئة المحكمة فاجاب لا اعرف احد، وهنا توجه اليه العميد بالقول انت لست جريئا وتقول ربع الحقيقة، كما ان الطقش سيحزن ان لم تقل عنه انه يتاجر بالمخدرات اما المتهم الاخير زياد فقد اكد انه موقوف في المبنى «ب» ولا يتعاطى المخدرات، وهو في السجن منذ 7 سنوات مؤكدا ان الظلم ما زال يلاحقه وهنا قال له العميد «في ملفك شريط مصور لما قمت به من سلب والذي تجاوز الـ 89 عملية، وهنا توجه المتهم حسن علو للعميد بالقول ظلمتني بـ 15 سنة، فرد عليه العميد لكن الناس استفادت بينما رد زياد متوجها للعميد «حضرتك عم تفوتنا ببعضنا وانا لم اذكر احد» وانتهى الاستجواب مع البزاوي صاحب شهرة بالاحتيال حيث طلب من العميد ان يخلي سبيله ليعم فسأله العميد ان كان سيعود الى عمله السابق، ويبدو انه لم يرتدع معتبرا ان عقوبة ما يقوم به لا تتجاوز الـ 6 بينما المخدرات ستكون اكبر، لافتا الى ان الموقوفين اختلفوا اثناء ممارسة رياضة «الفوتبول» فاوردوا اسماء بعضهم وهو بينهم، وهو لم يعد ينتج في سجنه كما في السابق بسبب سحب الهواتف الخليوية، وبسؤاله عن «معلمه» اجاب: «عباس ضاهر وواصف ملحم معلم عباس وانا» وقد ارجئت الجلسة الى 22/3/2016.