يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحظات انهيار حلمه التاريخي بولادة "الخلافة التركية الحديثة"، ولو جزئياً في العالم العربي وبعض الدول الإسلامية، بالتعاون مع العدو "الإسرائيلي" وحلف "الناتو"، بعد خمس سنوات من التخريب في ما يسمى "الربيع العربي"، وبعد وصول أردوغان إلى مشارف "الخلافة" وإعلان مرحلتها التجربية بإعلان "دولة الخلافة" عبر "داعش" كبثّ تجريبي كمرحلة أولى، تمهّد لمصادرة "خلافة داعش"، وتغيير اسمها لـ"الخلافة العثمانية" أو "الخلافة التركية الحديثة".
لا يستطيع الثنائي أردوغان - أوغلو تصديق الواقع وتقبُّل الخسارة والهزيمة وضياع الحلم - السراب، فاستفاقا على انتصارات الدولة السورية وحلفائها، والبدء في حلب وريفها لاسترجاع السيادة والأمن، ولم تنفعهما جماعاتهما التكفيرية المتوحشة في تحقيق "الشرق الأوسط الجديد"، فأصيبا بالارتباك والانفعال حتى الجنون والمقامرة بأمن المنطقة، لكن ابتداء من زعزعة أمن بلادهما القومي على الأراضي التركية، وحول حدودها في سورية والعراق، وفتحا أبوابهما لربيع أسود في داخل تركيا؛ على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية وفق الآتي:
1- لقد عاد أردوغان إلى حلفه الاستراتيجي مع العدو "الإسرائيلي" وحضنه الدافىء بعد مسرحية سفينة "مرمرة"، والتي وضع شروطاً لتجاوزها والعودة إلى العلاقات الطبيعية مع "إسرائيل"، وكانت خدعة مُحكمة للحصول على تأشيرة دخول لـ"الربيع العربي"، ولجذب حركة "حماس" تحديداً، وقد نجح جزئياً، لكنه بعد خسارته في سورية ومصر عاد إلى بيته "الإسرائيلي" القديم، وتراجَع عن شروطه الكاذبة.
2- استفزّ أردوغان الأكراد في تركيا وسورية، فأنهى الهدنة معهم في تركيا، واستعان بـ"داعش" والجماعات التكفيرية في سورية للقضاء عليهم، لكن رعاية الدولة السورية وحلفائها لهم، ودفاعهم عن أنفسهم، أنقذا الأكراد في سورية، واستطاعوا تهديد الأتراك وفرض أنفسهم برعاية روسية مباشرة كطرف مفاوض ضمن "المعارضات السورية"، مع تفوّق على "معارضة الرياض" وغيرها؛ بأنهم يملكون ورقة ميدانية قوية وحساسة في مثلث تركيا - سورية - العراق، تهدد وحدة الأراضي التركية في حال تنسيقهم مع "حزب العمال الكردستاني" في تركيا، والذي يحتضنه 20 مليون كردي تركي، والذين تعرضوا لمجازر على أيدي الجيش التركي وحكوماته المتعاقبة ومازالت حتى الآن.
3- المشكلة الأسوأ تتمثل في فتح الرئيس التركي أبواب تركيا أمام جحافل التكفيريين من "داعش" وأخواتها، وتقديم الرعاية والحماية والاستشفاء لهم بإشراف المخابرات التركية، ما سيفسح المجال أمامهم لتلقيح السُّنة الأتراك بالأفكار التكفيرية، ولو بالحد الأدنى الذي يسمح لهم بزعزعة السياحة والنظام التركي بحجة "تطبيق الشريعة".
4- الخطاب المذهبي لأردوغان منذ خمس سنوات أيقظ العلويين الأتراك، وحاصر العلمانية لصالح العصبية المذهبية، وفي حال ارتكب أردوغان خطيئة التدخُّل العسكري البري في سورية بحجة قتال "داعش" والأكراد، فستنهار الحدود المزوّرة، وسيعود البحث من جديد في قضية لواء الإسكندرون السوري المحتل، وهذا ما لفت النظر إليه وزير الخارجية التركي الأسبق يشار ياكيش، مما سيهدد تركيا بالتقسيم قبل تقسيم سورية والعراق، ويمكن أن يتم تفتيت تركيا وبقاء سورية والعراق موحَّدين دون تقسيم.
5- الخطأ التركي بإسقاط الطائرة الروسية أدى إلى تقييد حركة الأتراك في سورية، وقطع خطوط الإمداد على المسلحين، والأهم ما تعرّضت له تركيا من عقوبات روسية اقتصادية وسياسية، أهمها منع السياح الروس من زيارتها، وتقييد حركة التجارة البينية، ما أصاب الاقتصاد التركي بخسائر كبيرة لم تعوّضه تجارة النفط المسروق من "داعش" أو "أكراد البارازاني" في شمال العراق.
تعيش تركيا أسوأ مأزق في تاريخ "حزب العدالة والتنمية"، حتى وصل الأمر بأردوغان للطلب من أميركا الاختيار بين تركيا والأكراد!
لقد حمّل أردوغان الإدارة الأميركية مسؤولية الدماء التي سالت في "الربيع العربي" في لحظة جنون وغضب وخيبة أمل، بعدما تقدّمت السعودية وسرقت من يديه أوراق "المعارضات السورية"، وأصبحت "معارضة الرياض" هي الممثل الرسمي لـ"المعارضة"، وأصبحت "معارضة اسطنبول" تابعة وفي الصفوف الخلفية، ولم يربح أردوغان سوى سرقات مصانع حلب وأموال النازحين السوريين للتجارة بآلامهم ومساعداتهم.
هل يعود أردوغان من سورية بخفّي حنين، أم يقوم بعملية انتحارية على طريقة "داعش" ويفجر نفسه في المنطقة؟
الثابت أن أردوغان أصيب بالخسارة والهزيمة.. فهل يتمّ إنقاذ الجيش والشعب التركي من مغامراته، أم تغرق تركيا بالدماء؟