في خطابه الأخير، عرض الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله المشهد الإقليمي من وجهة نظره، بعد أن بات الحزب رقماً صعباً في معادلته، من خلال مشاركته بالعمليات العسكرية في أكثر من ساحة، من دون أن يغرق في التفاصيل التي توضح التحولات التي طبعت الفترة الأخيرة، خصوصاً مع دخول العامل الروسي على خط الحرب السورية، مكرساً تفوق المحور الذي ينتمي إليه، إلا أنه رغم ذلك حرص على التأكيد أن الحديث عن إنتصار كامل لا يزال مبكراً، ما يعني أن المواجهات لن تنتهي في وقت قريب، بل على العكس من ذلك قد تمتد أشهراً أو سنوات طويلة، تفرض على الحزب أن يكون حيث يجب ان يكون.
وفي حين استغرب البعض، عدم تطرق السيد نصرالله إلى الأوضاع على الساحة المحلية، خصوصاً بعد خطاب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في ذكرى إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، كانت رغبة أمين عام "حزب الله" واضحة بالرد بطريقة غير مباشرة، عبر التشديد على فشل المشروعين التركي والسعودي في المنطقة، ما يعني عدم قدرة من يمثلهما في لبنان على الحديث من موقع اللاعب القوي، لا سيما بعد تكريس معادلة أن الرئيس المقبل سيكون من صلب قوى الثامن من آذار.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحزب بات يقرأ الأوضاع على الساحة الإقليمية من منظار أوسع، ينطلق فيه من دوره في المحور الذي ينتمي إليه، أي أنه خرج من معادلة كونه فصيل محلي مقاوم قادر على خلق توازن رعب مع إسرائيل، ليكون لاعباً في رسم السياسات على مستوى المنطقة، مع ما يعنيه هذا الأمر من صدام مع لاعبين آخرين، إلا أنه يفضل الإنطلاق من أدبيات المواجهة مع تل أبيب، لعرض موقفه من مجمل التطورات، وتضيف: "خطاب السيد نصرالله كان واضحاً على هذا الصعيد، عبر وضعه كل ما يجري بالمحيط في إطار الصراع مع الإسرائيلي، الذي يقدم نفسه حامياً ومدافعاً عن أهل السنة، وساعياً إلى نسج التحالفات مع بعض الأنظمة والحكومات العربية".
وتلفت هذه المصادر إلى أن الحزب يجد، في المرحلة الراهنة، أن من الضروري تكريس بعض المعادلات الردعية مع تل أبيب، من دون المبادرة إلى الدخول في مواجهة شاملة معها، إلا أن هذا لا يعني عدم الرد على أي إعتداء قد تبادر إليه في المستقبل، كما حصل بعد إستهداف عناصر منه في القنيطرة ومن ثم عملية إغتيال القيادي لديه سمير القنطار، وترى أن التلميح إلى إحتمال إستهداف مخازن الغاز والأمونيا في حيفا، رداً على معادلة تدمير الضاحية الجنوبية، يصب في هذا الإتجاه، وتشير إلى أن الجانب الروسي لا يفضل إستفزاز إسرائيل في هذا الوقت، لا بل يسعى إلى طمأنتها من التطورات، بالرغم من دورها الواضح في الأحداث، خصوصاً في مناطق الجنوب السوري.
إلى جانب هذه المعادلة الواضحة مع الإسرائيلي، لم يتجاهل الحزب الدورين التركي والسعودي في النظام الإقليمي الجديد، خصوصاً بعد أن أثبتت التجربة أنهما ينظران إليه بوصفه "عدو" يهدد مصالحهما الإقليمية، في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى بعض الدول الخليجية، فذهب إلى سياسة التحدي العلني من دون إعطاء أي إعتبار لخطوط حمراء كانت توضع في السنوات السابقة، لا سيما أن المواجهة باتت مفتوحة بين الجانبين، ولا يمكن تصور نهاية لها في وقت قريب، لا بل وضع محاربتهما أولوية، بوصفهما أدوات في المشروع الكبير، الذي تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل.
إنطلاقاً من هذه القراءة، تقرأ المصادر نفسها تعليق السيد نصرالله على خيار التدخل البري التركي السعودي في سوريا، عبر وصفه بـ"الجيد" سواء حصل أو لم يحصل، مع إرسال رسائل تهديدية تعبر عن موقف الفريق الذي ينتمي إليه، من خلال الإشارة إلى حل قضايا المنطقة برمتها في حال تدخلهما، وعدم الإكتفاء بمعالجة الأزمة السورية فقط، أي قطع وعد بهزيمتهما، من دون تجاهل دورهما بدعم التنظيمات الإرهابية، من خلال التأكيد على أن شريان حياة "داعش" بيد الحكومة التركية، بالإضافة إلى دور الرياض في تقديم مختلف أنواع الدعم لهذا النوع من التنظيمات تاريخياً، وهو ما يمكن أن يُفسر بأنه الدعوة إلى التسليم بالخسارة الراهنة، من دون الذهاب إلى إعتماد إستراتيجية الرهان بكل أوراق القوة مهما كان الثمن.
في المحصلة، لم يعد "حزب الله" ينظر إلى الأمور من خلال الساحة المحلية، بل بات يعتبر نفسه شريكاً مقرراً لا يمكن تجاوزه في النظام الإقليمي الجديد، ساعياً إلى الإستفادة من معادلات القوة التي فرضها حلفاؤه إنطلاقاً من الحرب السورية.