على ضوء الأحداث القائمة في منطقة ​الشرق الأوسط​، قد يكون من المفيد التوقف عند أي حدث أمني له أبعاد إقليمية، قد يقع في أي بلد معني بالحرب السورية، لا سيما في ظل الإعلان عن إستعدادات لتدخل عسكري بري، قد تقوم به السعودية وتركيا معاً، إنطلاقاً من عنوان محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم "داعش"، خصوصاً أن العمليات التي تحصل بدأت تثير حولها مجموعة من علامات الإستفهام.

في هذا السياق، تأتي الإتهامات لحزب "الإتحاد الديمقراطي" السوري، بالوقوف وراء التفجير الذي وقع في​ أنقرة​، أول من أمس، بعد الإستهدافات التي تعرضت لها عناصر "قوات سوريا الديمقراطية"، على خلفية تقدمها نحو مدينة أعزاز في ريف حلب، الأمر الذي تعدّه تركيا تهديداً لأمنها القومي لا يمكن السكوت عنه، وهي لم تتردد بالإعلان عن نيتها القيام بعملية عسكريّة لمنع تحقيق هذا الهدف.

وفي حين سارع الحزب إلى نفي أي علاقة له بهذا العمل الأمني الخطير، تطرح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، بعص التساؤلات حول الأسباب التي دفعت الحكومة التركية إلى توجيه أصابع الإتهام له، في هذا التوقيت بالذات، بعد أن كانت تعمد في السابق إلى الإضاءة على دور تنظيم "داعش"، وتشير إلى أن هذا الأمر يأتي في سياق الحملة التي تقوم بها أنقرة لتبرير أي عملية عسكرية قد تقوم بها في الداخل السوري، عبر القول بأن الهدف منها إبعاد الخطر عن حدودها، وتسأل: "ما هي الأسباب التي قد تدفع ​الأكراد​ إلى الإقدام على مثل هذا العمل الخطير، وهم يدركون مسبقاً تداعياته المحتملة على الواقع في ريف حلب؟"، لتجيب بأنه يخدم الدعاية التركية التي تُصر على تصنيف "قوات حماية الشعب" منظمة إرهابية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، أنقرة هي أكثر المستفيدين من هذه الأعمال الإرهابية، التي تخدم رؤيتها لتطور الأوضاع في المنطقة، وبالتالي لا يمكن أن تكون بعيدة عنها، خصوصاً أن إتهاماتها السابقة لـ"داعش" لم يتم تأكيدها رسمياً من التنظيم، الذي لم يعلن مسؤوليته عن بعض العمليات التي تم الإدعاء بأنه مسؤول عنها، وتوضح أن توجيه الإتهام إلى الأكراد يعني، من حيث المبدأ، أن من حق تركيا البحث عن السبل اللازمة لمواجهة هذا الخطر المزعوم، لا بل أكثر من ذلك من المفترض على الدول المعنية بالأحداث السورية مساعدتها.

إلى جانب هذه الوقائع، تشير المصادر نفسها إلى عودة الحماسة التركية لطرح المنطقة الآمنة داخل الأراضي السورية، لإستيعاب النازحين فيها، وتلمح إلى إنفجار أزمة اللاجئين غير الشرعيين إلى ​أوروبا​، بالإضافة إلى حديث بعض المسؤولين الأتراك عن أن منفذ التفجير الأخير دخل إلى البلاد بصفة "لاجىء"، ما يفرض المسارعة إلى معالجة هذه المشكلة، في ظل التوقعات بأن يكون هناك موجة جديدة من اللجوء نحو القارة العجوز مع بداية فصل الربيع المقبل.

على هذا الصعيد، توضح المصادر المطلعة أن تركيا هي في الأصل المتهمة بدعم الجماعات الإرهابية، عن طريق التغاضي عن تحركاتها السابقة على حدودها المشتركة في سوريا، بالإضافة إلى تأمين خطوط إمداد لها وتصريف ما لديها من نفط مسروق من الآبار العراقية والسورية، وتلفت إلى أن هذا الأمر بات مؤكداً بعد عرض كل الأدلة على ذلك من جانب بعض الدول الكبرى، خصوصاً ​الحكومة الروسية​ التي نشرت صوراً واضحة لهذه العمليّات، إلا أن أنقرة لا تزال مصرة على تنفيذ أهدافها المعلنة مهما كانت النتائج، مستغلة كل العوامل المساعدة لها لتبرير أعمالها، وتضيف: "ثمن هذه السياسات سيكون غالياً عليها، لا سيما في ظل أوضاعها الداخلية المضطربة، سواء بالنسبة إلى الأحداث القائمة في جنوب شرق البلاد، أو بالنسبة إلى الخلافات حول طروحات تعديل الدستور من أجل توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية".

من وجهة نظر المصادر نفسها، بات من المتوقع أن تقدم حكومة حزب "العدالة والتنمية" على أي خطوة في الأيام المقبلة، بسبب كون مسار الأحداث يجري بعكس ما تشتهي سفنها، وتشدد على أنها، بعكس ما هو متوقع، قد لا تنتظر الغطاء الأميركي لتحركها، نظراً إلى أنها تعتبر مصالحها مهددة، لا بل تتوقع تداعيات سلبية لنتائج التحولات القائمة في الميدان السوري، لكنها تشير إلى أن أنقرة ستكون في هذه الحالة من دون غطاء دولي، ما يعني دخولها في مواجهة من موقع الضعيف الذي لا يملك الكثير من أوراق القوة، وترى أنها تسعى إلى حشر واشنطن في الزاوية للإختيار بين دعمها أو الإستمرار بالتحالف مع الأكراد.

في المحصلة، تركيا تسعى إلى حجز موقع لها على الساحة الإقليمية، من بوابة الأزمة السورية ومكافحة الإرهاب، وهي من أجل هذا الهدف قد تقدم على أي خطوة في المستقبل القريب أو البعيد.