الاعلان عن اتفاق روسي أميركي بوقف العمليات العسكرية في سوريا جاء مترافقاً مع تصريح لافت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان له الوقع الضابط لايقاع التوتر الذي بلغ ذروته في المنطقة مع ترقب العالم للحظة جنون سعت اليها كل من تركيا والسعودية كادت تجد طريقها للنفاذ وتؤدي الى جر المنطقة والعالم الى حرب اقليمية عالمية نعرف كيف تبدأ لكنّ احداً لن يكون بامكانه السيطرة عليها او التحكم بمسارها.
لنتوقف عند ما قاله الرئيس الروسي بوتين حيث قال "ان الاتفاق مع واشنطن بشأن وقف الاعمال العدائية في سوريا هو شبيه الى حد كبير بالاتفاق الذي حصل مع واشنطن بشأن ملف السلاح الكيماوي في سوريا".
بمعنى اخر، ان الامر ليس وقفًا للنار فقط، انما هو مسار سياسي باشراف وقيادة الرئيس بشار الاسد يبدأ بتثبيت وقف النار بالتوازي مع ضبط الامور العسكرية ونزع فتيل اي حرب اقليمية تمهيداً للولوج في ترتيب ملفات مفصلية جديدة ترسم معالم المرحلة القادمة في سوريا والمنطقة جغرافيًا وعسكريًا وسياسيًا، تحت مظلة الامم المتحدة من خلال تنفيذ مقررات الامم المتحدة رقم 2253 و2245.
اتصالات ومواقف
الاتصال الذي تم بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس السوري بشار الاسد لمناقشة البيان الروسي الأميركي بشأن وقف النار وابداء القيادة السورية الاستعداد للالتزام بوقف النار على ان لا يشمل التنظيمات الارهابية امر له دلالة خاصة تشير الى تفاهم استراتيجي تام بين الرجلين ليس لجهة الالتزام بوقف النار ومحاربة الارهاب فقط انما للمرحلة التي ستلي وقف النار سياسيا وعسكرياً.
أما الاتصال الذي تم بين الرئيس بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وترحيب الاخير بالاتفاق على وقف النار بسوريا واعدًا الرئيس الروسي بالعمل على انجاح هذا الامر بناء على نصيحة أميركية وجهت للسعودية، فيعني ان قرار النزول من اعلى الشجرة السعودية قد تم اتخاذه.
وكذلك الأمر، الاتصال الذي تم بين الرئيس الروسي والرئيس الايراني حسن روحاني والتوصل الى تفاهم حول ضرورة وقف النار والبحث عن حل سياسي في سوريا اظهر مدى تطابق وجهات النظر.
واشنطن بدورها قامت باتصالات سريعة مع حلفائها بدأتها باجتماع (كونفيرانس) عبر الشاشة بين كل من الرئيس الأميركي باراك اوباما والمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل ورئيس وزراء بريطانيا دايفيد كاميرون والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وبعد الانتهاء، تمّ الاتصال بين اوباما والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ادى الى تغيير واضح في اللهجة لكل من زعماء اوروبا وتركيا.
ثمرة الاتصالات
تراجع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن تصريحات كان قد ادلى بها الى مجلة ديرشبيغل الالمانية عن نية السعودية تزويد المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات ليستبدل التصريح بقول اخر هو ان الرياض (تؤيد) تزويد المعارضة، لكن المملكة لا تتدخل الا بقرار من الامم المتحدة.
هذا مؤشر واضح على تراجع المملكة عن مواقفها السابقة لصالح الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين بوتين واوباما وقف اطلاق النار في سوريا.
أردوغان تغيّرت نبرته أيضًا، فبعد الاعلان عن نيته بالتدخل المباشر في سوريا عاد وتراجع على لسان نائب رئيس الوزراء التركي جاويش اوغلو بالاعلان عن عدم وجود خطط للتدخل المباشر في سوريا، وان اي كلام بهذا المعنى هو من نسج الخيال.
الولايات المتحدة حاولت ارضاء حلفائها بالقول وعلى لسان وزير الخارجية الاميركية جون كيري ان واشنطن ستنتظر شهراً او شهرين لانجاح وقف النار في سورية، والا فانها ستلجأ للخطة (ب).
الرد الروسي جاء سريعا عبر نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بانه يستغرب الكلام عن خطة (ب)، فيما سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جهته للقول ان لا وجود لما سمي بخطة (ب) ضمن الاتفاق الذي تم بين روسيا وواشنطن، وهو ما يُظهر مدى الاصرار والسطوة الروسية لإنجاح الخطة المتفق عليها.
من المستفيد؟
من الواضح ان تركيا والسعودية ومن خلفهما اسرائيل جميعهم اصيبوا بخيبة كبيرة نظرا لخسارة ورقة تأجيج الصراع في سوريا والبدء بعملية النزول من اعلى الشجرة تماما كما حصل ابان ازمة الاسلحة الكيميائية في سوريا.
انها الفرصة التاريخية ويجب العمل لانجاحها وعدم تفويتها للولوج بالمسار السياسي، وان استئناف محادثات السلام سيكون في السابع من الشهر المقبل، هذا ما قاله المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا خلال افتتاح جلسة مجلس الامن.
انشاء غرفة عمليات مزودة بخط مباشر بين أميركا والدولة السورية وروسيا مركزها جنيف ربما يكون الاعتراف الأميركي العلني الاول بدور القيادة السورية من خلال التنسيق الامني المباشر، وهذا الامر يعتبر انقلابا اساسيا للمفهوم والتعاطي الاميركي مع الازمة السورية.
إذاً، فإنّ سوريا القيادة هي المستفيدة الاولى بهذا الاعتراف وبتنفيذ الخطه الروسية بتطبيق وقف النار.
وبينما اكتب هذه السطور بالتزامن مع انعقاد مجلس الامن للمصادقة على الهدنة المقترحة في سوريا، تبين وفي المعلومات الواردة من محلس الامن ان فرنسا حاولت عرقلة صدور القرار عبر ادخال اضافات على النص الاساسي للقرار، لكن سوريا وروسيا رفضتا الاضافة الفرنسية، ومجلس الامن صوت بالاجماع على مضمون القرار الاممي 2268 الذي يتضن تنفيذ القرار 2254.
اذا القرار الاممي تم اقراره وبالاجماع ودخلت سوريا مرحلة مفصلية جديدة من شأنها تغيير المفاهيم والمشهد برمته.
المستشارة الاعلامية والسياسية للرئاسة السورية بثينة شعبان، وخلال حديث متلفز من فالداي في روسيا، قالت ان ما تم الاتفاق عليه بين روسيا وواشنطن سيغير التحالفات الاقليمية والعالمية، وسيكون لحلفاء سوريا ولكل من وقف مع سوريا شرف تغيير تلك التحالفات.
سوريا تدخل مرحلة جديدة بالغة الاهمية لجهة ترجمة الصمود الاسطوري السوري بتحطيم مخططات المتآمرين و تلاشي احلام كل من اراد لسوريا التقسيم اوالتفتيت.
سوريا وبتوافق دولي وبغطاء اممي تخطو الخطوة الاولى نحو تجاوز صفحات الازمة والاتي ات لا محالة...