مباشرة بعد التفاهم الروسي الأميركي حول الصراع على الساحة السورية ، روجت أميركا لوجود خطة بديلة لديها أن لم ينجح الاتفاق حول وقف الأعمال العدائية في سورية ، و كررت الموقف نفسه بعد أن تحول التفاهم ذاك إلى قرار في مجلس الأمن صدر بأجماع الأعضاء أل 15 ، حيث كان القرار 2268 الذي يتضمن في جوهره امرين أساسيين ، الأول يتصل بفرز الجماعات المسلحة العاملة في سورية بين إرهابي يجب قتاله دون هوادة و بمشاركة الجميع - جميع من يستشعر خطرا على نفسه من الإرهاب – و غير إرهابي فيهادن ، و الثاني و هو مهم جدا و فيه مخاطبة الدول كما الكيانات العسكرية و السياسية المؤثرة على الميدان السوري لوجوب الالتزام بوقف الأعمال العدائية لإفساح المجال أمام انطلاق آمن للعمل على المسار السياسي .
لقد جاء القرار 2268 المبني على توافق روسي أميركي و بقبول و تشجيع من معسكر الدفاع عن سورية ، المعسكر الملتزم بمكافحة الإرهاب و المحافظة على سورية واحدة موحدة لا يلتهمها تطرف و لا تسقط بيد دعاة الفكر التكفيري التدميري ، في موقف يناقض موقف اتباع أميركا خاصة السعودية و تركيا اللتين وجدتا في الاتفاق هذا مؤشرا عمليا و ميدانيا و حقوقيا يؤكد هزيمة معسكر العدوان على سورية و يفتح الطريق للدخول في مرحلة جديدة لا يكون الإرهاب فيها أداة الاستثمار الرئيسية ، و هم يرون أن تجريدهم من هذه الأداة يعني و بكل بساطة أبعادهم عن مراكز التأثير في الحل السياسي الذي بات عند العقلاء جميعا من المعسكرين المعتدي و المدافع ، بات السبيل المنطقي الوحيد للخروج من الأزمة مع حجم اقل من الخسائر .و لكن لماذا تطرح أميركا أو تلوح بخطة بديلة ؟ ثم ما هي هذه الخطة التي تقصدها؟ وهل يمكن وضعها موضع التنفيذ؟ وما هي نتائجها أن عمل بها؟
أسئلة كثيرة تطرح وتثير علامة استفهام كبرى حول الموقف الأميركي، وحول مسار الأمور بعد القرار 2268.
بداية نقول إن أميركا لو كان لديها خطة أخرى غير ما صدر في تفاهمها مع روسيا، لما كانت سارت بهذا التفاهم ثم صاغته في قرار في مجلس رغم أنها تعلم أن ذلك يغضب أركان المنظومة التنفيذية الإقليمية. فالاتفاق حول وقف العمليات العدائية وجه رسالة قاطعة لكل من تركيا والسعودية الوحيدتين تقريبا المتبقيتين علانية على مسرح العدوان على سورية، رسالة بوجوب وقف دعم المجموعات الإرهابية وأن هناك منظومة مراقبة دولية فاعلة تشارك فيها روسيا بجهد كبير وجدي لتحديد من يخرق هذا الاتفاق – القرار الدولي. فالاتفاق عزل السعودية وتركيا عن الميدان السوري بشكل واضح، وجعل خرقهما للاتفاق سببا لوضعهما في موقع حرج في مواجهة من يريد للاتفاق أن ينجح.
أما قول أميركا بان لديها خطة بديلة في حال فشل الاتفاق ، فسببه برأينا يعود إلى ثلاثة أمور ، الأول ذاتي مفاده أن أميركا لم تفشل و لم تذعن أو لم تضطر قسرا للدخول في اتفاق تحت عنوان سياسة تحديد الخسائر ، و الثاني يتصل برسالة تريد أميركا توجيهها للطرف الأخر و مفادها أن أميركا لم تلق أسلحتها في سورية بل لديها المزيد من الخطط التي تمكنها من متابعة العمل لتحقيق مصالحها الاستراتيجية ، أما الثالث فهي رسالة للاتباع أمثال تركيا و السعودية لتقول لهم أنها حاضرة للتعامل مع أي تطور لا يكون في مصلحتها نتيجة وضع الاتفاق موضع التنفيذ ، قول تبتغي منه طمأنة هؤلاء التابعين و إبقائهم في القبضة الأميركية على مقاعد الاحتياط ينتظرون خطة قد يلجأ اليها عند فشل الاتفاق .
أما عن مضمون الخطة البدلية التي تلوح بها أميركا، فان بعض خطوطها أعلنت وخيوط أخرى سترت. ففي المعلن هناك التلويح بتقسيم سورية اقله إلى قسمين: منطقة غربية يترك للحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد أمرها ومنطقة شرقية يقام فيها سلطة مناهضة وتكون بتبعية مزدوجة تركية سعودية وتتصل بمنطقة موازية ومماثلة في العراق الأوسط، مع إقامة منطقة شمالية للأكراد. ويحفظ لإسرائيل امنها بحزام أمنى في الجنوب.
أما المضمر والمهدد به تلميحا فيتمثل بعمل عسكري إقليمي دولي مشترك بقيادة أمريكية من شانه أن يضع حدا للاندفاعة الميدانية التي يقوم بها معسكر الدفاع عن سورية ثم الدخول بعد ذلك إلى فرض واقع سياسي يستجيب للصورة الميدانية ويحقق للعدوان ما عجز عن تحقيقه خلال السنوات الخمس الماضية. هذا ما تهدد به أميركا حقيقة وتسميه خطة بديلة، فهل أن هذا قابل للتطبيق؟ ثم إلى أين سيقود في الواقع؟
في عودة إلى ما حصل خلال السنوات الخمس الماضي ، و في تشريح لقدرات و إمكانات من يمكن أن يشارك أميركا في أعمال خططها البديلة نستطيع القول أن العمل العسكري امر مستبعد لأقصى الحدود و لو كان بإمكان أميركا أن تلجأ إلى هذا العمل لفعلت عندما كان حلفاؤها في وضع افضل بكثير مما هم عليه اليوم ، حيث أن نظرة في واقع هؤلاء تنبئ بان أحدا منهم ليس قادرا على إرسال الجيوش إلى سورية بداءا من أروبا التي أعلنت ذلك صراحة وصولا إلى تركيا و السعودية اللتان تتخبطان في وحول داخلية و إقليمية تمنعهما من القيام باي عمل إضافي جديد .
أما التقسيم الذي تلوح به أميركا فانه يفترض لتحققه امرين الأول سيطرة على الأرض بشكل ثابت ونهائي والثاني قبول من قبل المعسكر الأخر بهذا الواقع وهذا الحل فضلا عن إرادة السكان المعنيين بهذا الشأن. وفي هذا الإطار نجد أن موازين القوى العسكرية والميدانية القائمة لا تسمح بالقول بقدرة معسكر العدوان على السورية فرض خطوط على الأرض تنقلب إلى حدود تقسيم خاصة بعد أن فشلت أميركا في إنتاج اتفاق وقف إطلاق نار بعد أن رفضته سورية ومعسكر الدفاع عنها وارتضت بوقف أعمال قتالية أو عدائية لا تستجيب لمفاهيم وقف إطلاق النار ومتطلباته ولا تعطي أميركا مثل هذه الفرصة.
أذن لماذا تلوح أميركا بالخطة البديلة طالما ا هذه هو الحال والواقع؟
برأينا أن أميركا تريد الأن من التهديد بالخطة البديلة التهويل على سورية وحلفائها للالتزام بما يتعدى القرار 2268، والامتناع عن أي عمل يشكل ردا على خرق الجماعات المسلحة لقرار وقف الأعمال القتالية، لتميكن هذه الجماعات من أعادة التموضع وإعادة التنظيم دون أن يكون هناك اعتراض أو تدخل سوري في الشأن ـ وقد يكون من الأخطر في مواقف أميركا هو غض النظر أو تشجيع تركيا على دعم تلك الجماعات في المنطقة الحدودية أو يتجاوزها إلى عمق معين.
لكل ذلك ومع استبعادنا لا قدام أميركا على عمل عسكري واسع أو فرض تقسيم ترفضه الحكومة السورية ومعسكر المقاومة و قبلهم الشعب السوري رفض يملك أصحابه القدرة على إسقاطه ، و مع ذلك لا يمكن أن نغفل عن مخاطر محاولة التطبيق المنحرف للقرار 2268 بما يفتح المجال أمام أميركا بتعزيز مواقف الجماعات المسلحة والتربص بالجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدان للحد من ملاحقة الإرهابيين واستعادة الأرض منهم خاصة المناطق الرئيسية الثلاث التي لا زالوا فيها في مثلث إدلب ـومثلث الرقة تدمر دير الزور، وما تبقى من ريف حلب خاصة الباب منبج. ولا يكون تفلت من الخطة الأميركية ألا بمتابعة العمل ضد الإرهابيين خاصة في تلك المناطق وعدم الإفساح لأميركا لتفسير القرار 2268 على هواها كما هي عادتها. وعند ذلك تتحقق الخطة البديلة التي ستكون عبر تفسير منحرف لقرار وقف الأعمال القتالية بما يغل يد الحكومة السورية ويطلق يد مناهضيها.