إلى استجواب، تحوّلت جلسة محاكمة موقوفي معارك بحنين في الشمال بين الجيش اللبناني والمجموعات المسلحة، والتي ترأسها رئيس المحكمة العسكرية العميد خليل ابراهيم، بحضورممثل النيابة العامة العسكرية القاضي داني الزعني. وقد تمّت تجزئة الموقوفين إلى ملفين، الأول متعلق بالارهابي خالد حبلص والمرتبطين به، ويبلغ عدد المتهمين فيه 41 متهماً، ومجموعة ثانية فيها من شاركوا في معارك الشمال ضد الجيش وهم 23 متهماً.
وقرر العميد ابراهيم تأجيل محاكمة المجموعة الثانية إلى يوم الثلاثاء في 26 نيسان المقبل بسبب غياب بعض الموقوفين ووكلائهم، واكتفى ابراهيم باستجواب بعض الموقوفين في المجموعة الأولى.
ولمدة ساعتين ونصف الساعة تقريباً استمر الاستجواب، حيث تخلى الموقوفون الذين تم استجوابهم عن افاداتهم الأولى، مدّعين أنهم تعرضوا للتعذيب من قبل مخابرات الجيش أثناء التحقيق معهم في البداية. وبعد استجواب سبعة منهم، تم تأجيل جميع موقوفي هذا الملف وبينهم الارهابي خالد حبلص، مثلهم مثل موقوفي المجموعة الثانية، إلى 26 نيسان.
وفي التفاصيل، ما ان دخل موقوفو الملفّ الأول إلى قاعة المحكمة إلى القفص الحديدي، صرخ احدهم قائلا "ميشال سماحة بـ4 سنين طلع براءة بينما نحن حتى الآن لم يصدر أي حكم بحقنا وتؤجلون محاكماتنا دائما، فأي عدل تنادون به؟"، فكان جواب ابراهيم: "هناك أصول في المحاكمات لا يمكن تخطّيها، وما حصل غير مقبول، والتأجيل الذي يطرأ هنا هو بسببكم انتم وبسبب موكليكم ولا علاقة للمحكمة بها".
لا نكفّر الجيش!
وبدأ العميد ابراهيم باستجواب الموقوفين، وأولهم كان المدعو "عبد الرحمن أيمن صالح"، الذي اعترف بأن الشيخ ابراهيم بركات هو صهره، وقال: "كلّ ما اعرفه عنه أنه يعطي دروساً دينية في المسجد ويساعد المحتاجين والأيتام وقد سافر إلى تركيا في رمضان لمدة 10 أيام لاحضار مساعدات للأيتام"، ونفى كل ما اعترف به أمام مخابرات الجيش في التحقيق الأول قائلاً: "لمدة ستة أيام كنت اتعرض للضرب منهم". عندها قال له ابراهيم: "لقد سافر بركات إلى سوريا وليس إلى تركيا وكان معه محمد الأيوبي وبايع "داعش" هناك وصار اميرها في الشمال"، فنفى صالح معرفته بهذه المعلومات، وقال: "صهري الشيخ بركات سافر إلى تركيا وأحضر معه ثياباً للأيتام وقمت بتوزيعها معه وكل ما قيل في التحقيقات هو نتيجة التعذيب".
عندها تطرق العميد ابراهيم إلى موضوع معارك بحنين في 26-10-2014، فلفت المتهم صالح إلى أن صهره الشيخ بركات قد هرب عندما تم القاء القبض على الأيوبي لأن اسمه ظهر على التلفاز، وعن مكان تواجده أثناء المعارك قال: "لم أكن في التبانة بل كنت اوصل المساعدات ليتيمة في منطقة الميناء من آل درباس، ولباسي لم يكن لباساً عسكريا بل هو زي الجمعيّة التي نعمل بها"، وأضاف: "الشيخ بركات كان دائما يقول لنا أن الجيش اللبناني هو جيش وطننا وعلينا احترامه وفي الجيش من يصلي ويصوم"، فقاطعه العميد متسائلا: "ومن لا يصلي أو يصوم في الجيش ماذا تعتبرونه؟" فأجابه: "هو عاصٍ قد عصى الله وهو من يحاسبه ولا علاقة لنا بالتزامه الديني"، ناكراً تكفيره للجيش.
وبما يخص تفاصيل القاء القبض عليه، قال: "كنا في الميناء وعند رجوعنا ألقي القبض علينا وكنا نرتدي زي الجمعيّة وليس زيًّا عسكريا، وأموال الجمعية مصدرها شخص اسمه عدنان البرادعجي ووظيفتنا توزيع هذه الأموال".
وبالتالي، حاول المتهم صالح نفي كل افاداته الأولى ونَكَرَ أي علاقة له مع "الشيخ خالد حبلص" أو مع المجموعات المسلحة، مدّعياً أن عمله كان خيرياً فقط.
لباس شرعي لا عسكري
بعدها نادى العميد ابراهيم على المتهم الثاني "حسن فارس عثمان"، والذي القي القبض عليه مع صالح وكان يرتدي نفس الزيّ. حينها سأله العميد "هل تريد أن أناديك أبو عبيدة وهو لقبك أو حسن؟"، فأجابه: "كما تريد فأنا أحب الإسمين".
فسأله عن علاقته بالشيخ ابراهيم بركات، فأجابه: "بركات هو عديلي وهو شيخي في مسجد حمزة وكان يعطينا الدروس الدينية والاسلامية، ولم يكن يلقي علينا محاضرات سياسية أو على علاقة بالثورة السورية، ولا ادري أنه كان قد بايع تنظيم داعش". وأكد أن لا علاقة بالاشتباكات في الشمال بل كان يعطي الأموال للفقراء في المينا، مضيفاً: "اللباس الذي نرتديه ليس لباساً عسكرياً بل هو لباس شرعي يخفي العورة".
وبعدها نادى العميد ابراهيم على المتهم زياد عبد الجليل السويد، إلا أن غياب موكله أدى إلى تأجيل استجوابه.
"أنا من حَمَى الجيش"
فجاء الدور على المتهم علاء عامر طيبة، الذي يسكن في منطقة بحنين ويعمل كسائق تاكسي، حيث نفى افاداته الأولى، وقال: "لقد تعرضت للضرب من قبل مخابرات الجيش، لذا كل ما اعترفت به هو بسبب الضرب". ونكر طيبة التزامه الديني وعلاقته بـ"داعش" أو بالشيخ خالد حبلص أو صلاته في المسجد خلفه. وأوضح أنه كان في صالون الحلاقة عند اندلاع المعارك في بحنين.
وعن علاقته بخطف العسكريين الخمسة بالقرب من فرن لبنان الأخضر في منطقة بحنين، إذ أنه تم القاء القبض عليه أثناء تواجده مع العسكريين هناك، قال: "عندما هربت من صالون الحلاقة، وجدت العسكريين لوحدهم فنادوني وتمنّوا عليّ أن آخذهم إلى مكان آمن، فأدخلتهم إلى فرن لبنان الأخضر لأنني المدني الوحيد الذي كان في المنطقة، وحميتهم في الداخل، إلا أنه عندما دخلت قوى الجيش وأخذتهم اعتبروا انني من خطفهم وانني من كان يحتجزهم. كنت أنا من أحميهم فصرت خاطفهم". وانهى العميد ابراهيم التحقيق معه ونادى القاصر نعيم القرحاني للاستجواب.
والقرحاني هو طالب في مدرسة برقايل في عكار ويسكن فيها، ونفى أن يكون على علاقة بتنظيم "داعش". فسأله العميد ابراهيم عن سبب تواجده في المنطقة أثناء المعارك، فأجاب: "كنت اريد أن أحضر عمّة ابن عمتي من منطقة الاشتباكات لأنقلها إلى منزلنا بسبب الاشتباكات"، فضحك ابراهيم قائلا "لقد ضحيت بنفسك وقتل ابن عمّتك وأصبت أنت فقط لإحضار عمة ابن عمّتك، وعمرك 14 سنة كان حينها، فكيف وافق اهلك على ذلك؟"، فأجابه بأنه ذهب من دون رضى أهله. لم يقتنع القاضي بإفادة القرحاني فانهى التحقيق معه ونادى الشاهد طارق بحلق، الذي أوضح أن المتهم توفيق عكوشة هو عديله وأتى إلى منزله بعد المعارك واستقر عنده.
"كنت أحمي مسجد بحنين"
فجاء دور التحقيق على المتهم عكوشة، وهو يعتبر من أبرز المتهمين في هذه القضية وهو متهم بتشكيل عصابات لمقاتلة الجيش اللبناني. فواجهه العميد ابراهيم بصور له من أرض المعركة وحوله المسلحين، فأنكر أن يكون هو من في الصورة، وبعد الحاح العميد ابراهيم اعترف أنه كان متواجداً في المنطقة لكن لا علاقة له بالمسلّحين.
وعن علاقته بـ"حبلص"، قال: "الشيخ خالد حبلص هو شيخ البلدة عندنا وكنا نشكل مجموعة من الشبّان لحماية المسجد في صلاة الجمعة خصوصا بعد تفجيري التقوى والسلام في طرابلس ولا علاقة لنا بتشكيل أي مجموعات مسلحة لقتال الجيش اللبناني". فسأله العميد ابراهيم عن أحداث 26–10، فأجابه أن في هذا التاريخ جرى اشكال في المنطقة، فقاطعه ابراهيم قائلا "لا تقل لي اشكال، لقد اعتديتم على الجيش وعلى عدد من الضباط واستشهد عدد منهم، فلا تستفزّني وتقول لي مشكلة"، فقال له: "حسناً هو اعتداء على الجيش، كنت في المنطقة لكن لا علاقة لي بأي ظهور مسلح ولا أعرف أياً من المسلحين الموجودين".
عندها رفع العميد ابراهيم الجلسة وأجلها إلى تاريخ 26-4-2016.
في المحصّلة، لا جديد في جلسة اليوم لاستجواب موقوفي معركة بحنين، فكانت اجوبة المتّهمين موحّدة، وكأن اتفاقاً مسبقاً جرى فيما بينهم على الأقوال، وظهروا جميعهم كالأبرياء والمخلصين للجيش والمحبّين له. ورغم الإثباتات الموجودة على ادانتهم، إلا انهم أنكروها كلها. ويبقى التأجيل سيد الجلسات حتى انتهاء جميع الاستجوابات، وصدور الأحكام بحق كل من اعتدى على الجيش اللبناني وعلى المواطنين في الشمال وبحنين.