أظهرت نتائج الإنتخابات التي نُظّمت في إيران(1) للمرّة الأولى بعد توقيع "الإتفاق النووي" مع الغرب في تمّوز 2015، والتي تنافس المُرشّحون فيها على 290 مقعدًا برلمانيًا لولاية من أربع سنوات، وكذلك على 88 مقعدًا لـ"مجلس الخبراء"، وهو أعلى هيئة دينيّة في البلاد وتمتد ولايته على مدى ثماني سنوات، تقدّمًا كبيرًا للإصلاحيّين وللمُعتدلين على المُحافظين والمُتشدّدين، حيث فقد المُحافظون الأغلبيّة التي كانت بيدهم، وفازت القائمة المدعومة من قبل المُعتدلين ومن الرئيس الإيراني الإصلاحي، حسن روحاني، بكامل مقاعد العاصمة طهران الثلاثين، بينما سقطت شخصيّات محافظة أساسيّة(2). فما هي أسباب هذا التحوّل، وهل من تغيير مُرتقب في السياسة الإيرانية الخارجيّة؟
بحسب كل التحليلات الغربيّة، إنّ أغلبيّة واضحة من الشعب الإيراني إختارت لوائح الشخصيّات التي أيّدت الإتفاق النووي، والتي دعت إلى حلّ المشاكل مع العالم الغربي عن طريق التفاوض، بشكل أثبت وقوف الأغلبيّة الشعبيّة إلى جانب سياسة الإنفتاح التي إنعكست إيجابًا على الواقع الإقتصادي والمالي والإستثماري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عبر مسار رفع العُقوبات. ويُمكن القول إنّ أغلبية الشعب الإيراني التي أحجمت عن التصويت لصالح المُحافظين والمُتشدّدين، وجّهت رسالة سلبيّة لهؤلاء، مفادها بأنّها غير مُوافقة على سياستهم العدائيّة والهُجومية(3)، وبأنّها تدعم الوسائل السلميّة والدبلوماسية التي إنتهجها الإصلاحيّون لحل مشاكل إيران مع العالم الغربي، خاصة وأنّ نتائج هذه السياسة بدأت تنعكس إنتعاشًا للإقتصاد الإيراني الذي كان يُعاني من صُعوبات بالجملة. وهنا من الضروري الإشارة إلى أنّه لا تُوجد أحزاب سياسيّة فعليّة في إيران منذ "ثورة" العام 1979، حيث أنّ الإنقسام هو بين تيّارات مُتشدّدة وأخرى مُعتدلة، وبين سياسيّين ورجال دين محافظين وآخرين إصلاحيّين.
وشدّدت هذه التحليلات على أنّ من يُمسك بقرار العاصمة يؤثّر بشكل كبير على التوجّه السياسي العام للبرلمان الإيراني، خاصة أنّ الإصلاحيّين الذي أحكموا قبضتهم على طهران، أمسكوا في الوقت عينه بالأغلبيّة البرلمانية. وبالنسبة إلى "مجلس الخبراء" فإنّ السيطرة عليه لا تقلّ أهمّية، كون هذه الهيئة الدينيّة العُليا مُكلّفة إختيار المُرشد الأعلى للجمهوريّة الإيرانية. وبما أنّ المُرشد الحالي آية الله السيد علي الخامنئي (76 سنة) يُعاني من متاعب صحّية، فإنّ مُهمّة إيجاد الخلف ستُناط بمجلس الخُبراء في المُستقبل غير البعيد. وبالتالي، إنّ التغيير في مزاج الرأي العام الإيراني أكّد دعم الأغلبيّة الشعبيّة للإصلاحات المرفوعة على غير صعيد، من قبل العديد من المُرشّحين الفائزين. ولفت المحلّلون الغربيّون إلى أنّ التغيير الذي حصل في إيران كان ليكون أكبر لو لم يتمّ إبعاد نصف عدد المُرشّحين قبل إنطلاق عمليّات التصويت، وذلك من قبل مجلس صيانة الدستور، وهي الهيئة المُقرّبة من المرشد الأعلى، علمًا أنّ من بين المُبعدين حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، مؤسّس الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة.
وبالنسبة إلى الإنعكاسات المُرتقبة على سياسة إيران الخارجيّة، فإنّ الآمال غير كبيرة، لأن لا سُلطة لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان) على الملفّات الخارجية، حيث أنّ هذه السلطة هي بيد المُرشد الأعلى للجُمهوريّة ومجلس الأمن القومي. وبالتالي لا تغيير سريع مُرتقب في ما خصّ سياسة إيران الخارجيّة التي ستبقى على ما هي عليه في السنوات القليلة المقبلة. لكن من شأن فوز الإصلاحيّين أن يُعزّز موقع الرئيس الإيراني، وأن يرفع فرص فوزه بولاية رئاسيّة جديدة، علمًا أنّ الإنتخابات المُقبلة مُرتقبة في ربيع العام 2017. ومن المُتوقّع أيضًا أنّ يُشكّل الإصلاحيّون والمُعتدلون، وفي طليعتهم الرئيس حسن روحاني وكل من الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، كتلة ضغط سياسيّة كبيرة داخل إيران، ستترك أثرها بدون أدنى شك، على السياسة الإيرانية العامة وعلى الحريّات الفرديّة والسياسيّة في إيران، بعد هذا "التكليف الشعبي"-إذا جاز التعبير، لكنّ هذا المسار سيكون شائكًا وطويلاً.
(1) بلغت نسبة التصويت 60 % من أصل 55 مليون ناخب يحق لهم الإقتراع. كما بلغ عدد المُرشّحين المُسجّلين للبرلمان 12,000، قبل إستبعاد نحو نصفهم، بينما بلغ عدد المُتنافسين على عُضويّة مجلس الخبراء 161 مُرشّحًا.
(2) من بينها غلام عادل المُرتبط بالمُصاهرة مع خامنئي، والذي كان مُرشّحاً لرئاسة مجلس الشورى المقبل.
(3) تمّ إسقاط ترشيح كل من الشخصيّتين الدينيّتين الأساسيّتين محمد يازدي وأحمد جناتي اللذين كانا يُعارضان مع غيرهما من رجال الدين المُتشدّدين، سياسة الرئيس الإيراني حسن روحاني الرامية إلى تطبيع العلاقات مع الغرب.