أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن الحكومة السورية ستمنح العفو التام لكل مسلّح يعلن عن تخليه عن القتال ويسلّم سلاحه للدولة السورية، في خطوة تُعتبر مسهِّلة لأي مفاوضات مستقبلية للحل السياسي الذي سينطلق قطاره - بصورة مبدئية - في التاسع من شهر آذار الحالي؛ كما أعلن دي ميستورا.
وبالرغم من أن انطلاق المفاوضات بين السلطة والمعارضة السورية لا يعني أن الحل السياسي بات قريباً، خصوصاً في ظل تصاعُد مواقف الأطراف الإقليمية الداعمة للمجموعات المسلحة، وعدم تنازل السعودية وتركيا عن السقوف المرتفعة التي وضعتها للاشتراك في الحلّ، فإن العفو المعلَن عنه يُعدّ خطوة أساسية في أي حل سياسي سيأتي عاجلاً أم آجلاً.
ويثير هذا العفو الممنوح إشكالية كبيرة على الصعيد السياسي والقانوني، فالبعض قد يعتبره ضرورياً وأساسياً للسلام، ويمكن التضحية بحقوق الضحايا وحق الدولة في مساءلة من حمل السلاح من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، بينما قد يجده البعض الآخر "وصفة" للإفلات من العقاب وعدم مساءلة مجرمي الحرب، وفي هذا مسّ بأسس العدالة والإنصاف، وإبقاء للجروح المفتوحة بين السوريين، بسبب العفو عن قتلة حملوا السلاح ودمّروا الدولة وقتلوا مواطنيهم.
بالمبدأ، يُعدّ العفو من الأعمال الشائعة التي تقوم بها السلطات على أثر حرب أهلية مدمرة، وتتراوح أنواع العفو الشائعة وتختلف ومنها:
1- العفو الذاتي "Self-accorded" الممنوح من قبَل القادة السياسيين لأنفسهم، أو للقوى الأمنية الموالية لهم، على اعتبار أن موظفي الدولة كانوا يأدّون "واجبهم الوطني" عندما ارتكبوا تلك الجرائم.
2- العفو الواقعي "De facto"، وهو عفو غير معلَن، وحين تكون هناك سياسة رسمية أو غير رسمية بـ"عدم فعل أي شيء".
3- العفو الشامل "blanket"، وتمنحه السلطة لمجموعة كبيرة من الأشخاص عن مجموعة من الجرائم، ويصدر هذا بقانون عفو عام عادة ما يصدر عن البرلمان.
4- العفو المحدود "Limited"، وهو العفو الممنوح من السلطة لمجموعات محددة أو بعض الأشخاص المحددين عن فئة خاصة من الجرائم المرتكبة.
5- العفو المشروط "Conditional"، وهو العفو الذي تمنحه السلطة لشخص مقابل القيام بأعمال محددة.
وهذا النوع الأخير، أي العفو المشروط، هو بالتحديد ما منحه الرئيس السوري للمقاتلين السوريين، وربَطه بتسليم سلاحهم للجيش السوري.
عملياً، تحقق السلطة السورية من خلال العفو المعلن عنه أهداف عدّة، أهمها:
1- تستبق الحكومة السورية ما يمكن أن ينتج عن مفاوضات السلام بينها وبين المعارضة؛ فعادة، عمليات الانتقال من الحرب إلى السلام تترافق مع مجموعة من آليات العدالة الانتقالية، التي تتضمن عادة إلقاء السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم، تمهيداً لإحلال الاستقرار، وجرت العادة في كل أنحاء العالم أن يصدر قانون عفو عن المقاتلين مقابل التزامهم بإلقاء السلاح، مما يمهد للمصالحة ويؤسس للسلام.
2- أن يُظهر الحكم السوري أنه ملتزم بالحل السياسي، وأنه يفعل كل ما يمكن فعله لإنجاح المبادرة السياسية التي قد تنقذ بلاده من الحرب.
3- العمل على خرق صفوف المقاتلين وإرباكهم، فقد يؤدي الإحباط الذي تعيشه مجموعات المعارضة السورية اليوم، إلى رغبة بعض المسلحين بتسليم سلاحهم والتخلي عن القتال، وهكذا يكون الرئيس السوري قد فتح لهم باباً للدخول منه مجدداً إلى الدولة.
4- إحراج بعض المجموعات المسلحة السورية وداعميها الإقليميين بالقول إن النظام قد قدّم الكثير لتسهيل الحلّ السياسي ولكنهم رفضوا، لأنهم لا يريدون حلاً سياسياً بالأساس.
بالنتيجة، قد تكون نتائج هذا العفو الممنوح من قبل الرئيس السوري متواضعة في هذه الفترة بالذات، بسبب تعنُّت كل من السعودية وتركيا، ومراهنتهم على الاستمرار بالخيارات العسكرية، لكن رسائل الروس والأميركيين واضحة بأن الحل السياسي ضرورة في سورية، ولا خيارات عسكرية، وقد يكون آخرها التلويح بالفدرالية أو التقسيم، التي تبدو رسالة لتركيا قبل غيرها؛ بأنه في حال لم ينخرط الأتراك في الحل السياسي في سورية، فإن الخيارات المتاحة الأخرى والخطط البديلة قد تكون مدمِّرة للأتراك، فقد يؤدي تعنت أردوغان إلى خيارات مُرّة، منها نشوء كيان كردي ذي حكم ذاتي على الحدود الشمالية لسورية، ما سيؤدي في النهاية إلى تقسيم تركيا نفسها.