كأن الولايات المتحدة تعيد اكتشاف العالم على نحو ما فعله المكتشفون الأول؛ حينما بدأ كريستوف كولمبوس في القرن الخامس عشر اكتشاف القارة الجديدة، حيث كانت أفظع المجازر في تاريخ تكوُّن البشرية، فأباد الأوروبي الأبيَض شعوباً أو ما أطلق عليه "الهنود الحمر" بالكامل، وهم الذين عاشوا هناك منذ 8 آلاف سنة قبل الميلاد.
هي تستحضر كل قيَم الحروب الهمجية والإبادة الجماعية في التاريخ، وتعيد اكتشاف وتكوين العالم حسب المزاجية التلمودية للرجل الأبيض الجديد، تستحضر الحروب الدينية، وحروب القبائل، وحروب الفتوحات، وحروب الاستعمار، وترمي كل أوراقها في وجه التاريخ، وعلى واقع الجغرافيا، وهدفها أولاً وأخيراً استعباد البشر.
منذ سقوط غرناطة في الأندلس بأيدي الإسبان عام 1492، ووصول كولمبوس إلى جزر بهاماس واكتشاف أميركا، كانت الأحلام بأن تُلقى القبضة على العالم، وكانت منطقة ما بين النهرين وبلاد الشام وامتداداً حتى أرض الكنانة الهدف والغاية.
بين 1096 - 1291 كانت الحروب الصليبية وهدفها المعلَن السيطرة على الأراضي المقدسة، أما هدفها الأبعد فهو ذو شقين: شق هدفه تغريب المسيحية عن روحها الأساسية وعن منبعها المشرقي، ما بين فلسطين وسورية، وعن سماحتها المشرقية وأراضيها، والهدف الأهم والأبعد كان اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، بعد أن احتدم الصراع داخل الممالك الأوروبية في التوسع في أوروبا نفسها، وفي العالم.
ولهذا شهدت أوروبا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، بعد ظهور الحركة البروتستنية، حروباً دينية مريرة، فما بين عامي 1517 و1648 شهدت أوروبا أفظع الحروب وأمرّها تحت عنوان "الحروب الدينية"، فكانت مساحة هذه الحروب تمتد إلى سويسرا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا، وبوهيميا، وهولندا، إنكلترا، وسكوتلندا، وإيرلندا، والدانمارك، في هذه الحروب خسرت أوروبا نحو ثلت سكانها، حتى أن الكنيسة الألمانية أباحت في فترات تعدد الزوجات، ولحل الأزمات كان التطلع دوماً إلى الخارج إلى العدوان والسيطرة على الشعوب الأخرى.. فكان التطلع نحو طريق الحرير، بسبب تأثيره الكبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية، حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث.
يمتد "طريق الحرير" من المراكز التجارية في شمال الصين، حيث ينقسم إلى فرعين شمالي وجنوبي. يمرّ الفرع الشمالي من منطقة بلغار-كيبتشاك، وعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً إلى البندقية. أمّا الفرع الجنوبي فيمرّ من تركستان وخراسان، وعبر بلاد ما بين النهرين وكردستان والأناضول وسورية، عبر تدمر وأنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
وقد انتظمت مسارات طريق الحرير منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وظلّت منتظمةً لألف وخمسمائة سنة تالية، كان طريق الحرير خلالها معبراً ثقافياً واجتماعياً ذا أثر عميق في المناطق التي يمر بها. لم يتوقف شأن "طريق الحرير" على كونه سبيل تجارة بين الأمم والشعوب القديمة، إنما تجاوز (الاقتصاد العالمي) إلى آفاق إنسانية أخرى، فانتقلت عبره الديانات فعرف العالم البوذية والمسيحية وعرفت آسيا الإسلام، وانتقل عبره البارود، فعرفت الأمم الحروب المحتدمة المدمرة، وانتقل عبرها الورق، فحدثت طفرة كبرى في تراث الإنسانية مع النشاط التدويني الواسع الذي سَهَّل الورقُ أمره، وانتقلت عبره أنماط من (النظم الاجتماعية) التي كانت ستظل، لولاه، مدفونة في حواضر وسط آسيا.
وبسبب هذا الواقع كانت حروب مختلفة كانت حرب الأفيون الذي فرض فيها التحالف الأوروبي بالتعاون مع الأميركي تجارة الأفيون على الصين، وكانت الحروب الاستعمارية وكانت الحربين العالميتين وكان تقسيم ورثة "الرجل المريض" وتقسيم منطقتنا واغتصاب فلسطين واحتلال نجد والحجاز، وإقامة السلطة المتطرفة التي دمرت كل الآثار الإسلامية ولم تبقِ إلا على الحرم المكي الشريف الذي يحاط الآن بشواهق الأبنية على طريقة لاس فيغاس.
في حروب العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، استكمال لكل قيم هذه الحروب، واستحاضر لكل مفاهيم التلمود، بدأت منذ غزو افغانستان بذريعة برج التجارة العالمي، تذكروا كيف قامت الحرب العالمية الأولى، ومن اغتال ولي عهد النمسا؟.. وتدرجت نحو العراق ويومها أطلق كولن باول تهديده الشهير لبشار الأسد، الولايات المتحدة اصبحت على الحدود السورية ومثله وجهه إلى اميل لحود بضرورة إنهاء المقاومة التي هزمت في عام 2000 روح هذا المشروع الاستعماري الكيان الصهيوني ودحرته.
تدرجت الحروب وفق المفاهيم الاستعمارية القديمة الدموية، لكن بالأسلحة الأفتك والأكثر دموية، واستُحضرت كل الحروب الدينية.. تذكروا التتار والمغول وحروب أوروبا الدينية وحرب الإبادة الاميركية وحروب الأفيون، أيقظوا كل الفتن، قام "الرجل المريض" من سباته، حركت واشنطن ولندن وتل أبيب كل الأوراق المستورة، وباشرت حربها الواسعة، بدءاً من روح "طريق الحرير" بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام، بعد أن نجحت التجربة في ليبيا، الهدف واضح تحقيق "نبوءة" التلمود تلاشي العراق خراب دمشق وتدمير مصر.. أي تدمير أعرق الحضارات البشرية عودوا إلى رسالة الملك فيصل آل سعود إلى ليندون جونسون في كانون الأول 1966، قبل ستة أشهر من حرب حزيران 1967، فقد حققت الحرب أهداف الرسالة بالكامل..
هذه المرة، وأمام الصمود الأسطوري لكل قوى المقاومة والممانعة، ينزل كل الاحتياط دفعة واحدة في الحرب الكبرى، "السعودية" تشن حروبها في كل الاتجاهات، وهي غير مؤهلة لذلك، فتكشف الأوراق بالكامل، تنسيق تام مع تل أبيب وواشنطن والغرب..