ما إن طار خيار ترحيل​النفايات​، حتى شدت حكومة ​تمام سلام​ أحزمتها من جديد وإنطلقت برحلة ترحيل، وجهتها هذه المرة الداخل اللبناني. رحلة تبدأ من المكبّات العشوائية والأمكنة التي تم تجميع النفايات فيها منذ 17 تموز الفائت الى ​المطامر​ التي لم تحسم هويتها بعد. وكأن خطة المطامر التي أقرتها لجنة الوزير أكرم شهيب منذ أشهر هي إبنة ساعتها، أو كأن الحكومة إكتشفت خيار المطامر منذ أيام قليلة لذلك كانت إنطلاقتها الجديدة. الغريب في هذه الإنطلاقة، كيف حاول بعض الوزراء عبر تصريحاتهم إظهار الحكومة وكأنها "شاربة حليب السباع" الأمر الذي يجعلها تتجه الى فتح المطامر اليوم ولو عن طريق إستعمال القوة وطلب المؤازرة الأمنية من الأجهزة المختصة، على عكس ما كان يحصل سابقاً يوم سقطت خطة شهيب القائمة على المطامر بالضربات الشعبية القاضية، في الكوستابرافا وسرار والناعمة ومجدل عنجر، علماً أن أعداد المعترضين يومها كان بالعشرات، وفي أقصى حده بالمئات، وعلى رغم ذلك كان الوزراء المعنيون يقولون لن يفتح أي مطمر إلا بالتوافق مع أهالي خلده أو سرار أو الناعمه ومجدل عنجر وغيرها من المناطق.

لكل ما تقدم، لا بد من طرح الأسئلة التالية: ما الذي تغيّر بين الأمس واليوم كي تصبح الحكومة قادرة على اللجوء الى خيار القوة لفتح المطامر؟ وعلى أي جهاز أمني تتكل في هذه المهمة؟ وهل ما كان صعباً أو مستحيلاً على السياسيين تمريره ولو فرضاً على ناخبيهم بات سهلاً اليوم عشية الإنتخابات البلدية والإختيارية المرتقبة في أيار المقبل؟ ما دام خيار القوة ممكناً ووارداً لماذا لم يتم إستعماله في منتصف الأزمة أي عند إقرار خطة المطامر عندما كانت الشوارع اللبنانية تغرق بأكوام النفايات ولما كانت الأمراض تفشت والبيئة تلوثت والأهم من كل ذلك لما كانت نسبة الديوكسين القاتل ارتفعت في هوائنا؟

المتابعون لهذا الملف، يؤكدون أن ​الجيش اللبناني​ لا يزال كما كان سابقاً يرفض أن يتولى مهمة مواكبة فتح المطامر بالقوة إذا كانت هذه المهمة ستترافق مع إحتجاجات شعبية ومناطقية، وقرار الجيش هذا تبلغته الحكومة اللبنانية من القيادات المعنية. وفي المعلومات أيضاً لم يعطِ وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ كلمته النهائية بعد، حيال تولي قوى الأمن الداخلي هذه المهمة، ووضعها بمواجهة مع الحراك المعترض على المطامر، خصوصاً أن النقمة ستكون يومها حصراً على المشنوق ومرجعيته السياسية أي تيار "المستقبل" ورئيسه النائب ​سعد الحريري​، وهذا ما سيرتد سلباً على التيار الأزرق إنتخابياً في الإستحقاق البلدي والإختياري، لذلك القضية فتحت للنقاش داخل إجتماعات "المستقبل" التي يحضرها الحريري شخصياً نظراً لأهميّة القرار الذي سيصدر ودقته.

حتى لو فتحت الحكومة المطامر بالقوة، فالقصة لن تنتهي هنا لأن الخلاف الأصعب هو اليوم على المعادلة التالية: ماذا نريد أن نطمر؟ وكيف وأين ستعالج النفايات؟ وما هي النسبة التي ستبقى منها للطمر بعد المعالجة؟ وهل من أحد في لبنان مستعد للقبول بتكرار تجربة مطمر الناعمة حيث كانت تطمر القُمامة فيه كما هي؟

كلها أسئلة من وحي ومضمون خطة شهيب القائمة على المطامر، وكلها أسئلة لا أجوبة عليها حتى اللحظة الأمر الذي يدفع الى الخلاصة التالية، أزمة النفايات راوح مكانك !