لم تكن يوماً العلاقة الوثيقة التي تربط "حزب الله" بايران سرية، بل كانت معروفة للجميع وهي متجذرة من النواحي الدينية والعسكرية وحتى السياسية. اكتسبت هذه العلاقة شأناً اعلامياً اكبر منذ العام 2006 وما بعده، وباتت الاضواء مسلطة بشكل كبير عليها في ظل التطورات التي استجدت في الاعوام الاخيرة، الى ان وصلنا الى الوضع الحالي.
الواقع الراهن يفيد بما يلي: العالم كله يقف الى جانب ايران التي اصبحت "بريئة" من الاوصاف التي لازمتها لسنوات، من ارهابية وعدوة وشرّ مطلق... وباتت شريكة اساسية في طاولات المفاوضات والمحادثات حول قرارات تتخذ على صعيد المنطقة. والعالم كله يعتبر "حزب الله" غير ارهابي من الناحية السياسية، فيما وضع جناحه العسكري على قائمة الارهاب في اوروبا والولايات المتحدة.
وحدها الدول الخليجية اختارت ان تشذّ عن القاعدة بعد ان قررت السعودية ذلك. فبعد ان وضعت بشكل منفرد "حزب الله" على قائمة الارهاب، قررت الحصول على تأييد مجلس التعاون الخليجي حول هذا الامر في خطوة تحمل معها "حسنات" و"سيئات" كثيرة.
قد تأتي هذه الخطوة، وعلى عكس ما يتوقعه الكثيرون، وكأنها مخرج لتدهور العلاقة بين الخليج ولبنان بشكل عام. ولم يعد من الممكن ابقاء الامور على هذا القدر من التصعيد الخليجي ضد لبنان، ويمكن عندها اعتبار التركيز على "حزب الله" كمخرج للازمة، اذ ينحصر التركيز على الحزب دون سواه وتعود الامور الى مجاريها بين لبنان وباقي دول الخليج، ويصبح الحزب وكأنه "غير لبناني" بالنسبة الى السعودية ودول مجلس التعاون، فتحافظ هذه الدول على ماء الوجه ولا يتغير اي شيء في المعادلة القائمة في لبنان والمنطقة.
لا جديد في الاجراء الخليجي، فالحزب اصلاً لم يكن من المرحب بهم في الخليج، والسعودية رغم انها لم تصنف ايران ارهابية، الا انها تعتبرها كذلك بسبب الخلافات الدينية من جهة، والعملية من جهة ثانية (التدخلات في اليمن والبحرين بشكل خاص)، فيما دول الخليج الاخرى لا يمكنها معاداة ايران لاسباب عدة منها اقتصادية ومنها سياسية وهذا ما يمثله انفتاح عدد من الدول على ايران ومنها على سبيل المثال لا الحصر الامارات وسلطنة عمان.
ولا شك ان دول الخليج ستجد نفسها محرجة في تصنيف الحزب كإرهابي، لانها بذلك تكون قد ارسلت رسالة الى الغرب مفادها انه "تقاعس" عن محاربة الارهاب، وان ما يقوم به فعلياً هو دعم الارهاب بدلاً من مكافحته، وهو ما لن يرضى به، اي ان تعطيه السعودية دروساً في كيفية محاربة الارهاب ووضع استراتيجية دوليّة للمنطقة، الا انه لن يتدخل في هذا القرار لان لا مفاعيل عمليّة له على الارض.
ولا شك ان ردة الفعل اللبنانية تجاه القرار اتت لتثبيت هذه الفكرة الراسخة، فحتى حلفاء السعودية في لبنان "نأوا بأنفسهم" عنه ليس حباً بـ"حزب الله" بل لعلمهم بأن اي تأييد من قبلهم سيعني حتماً فتح صفحة من تدهور الوضع اللبناني وصولاً الى تفجيره ربما وهو ما لا يسمح به في هذا الوقت تحديداً، ما يشكل صورة اوضح عن ان المنتظر من وضع الخليج "حزب الله" على قائمة الارهاب قد يكون بداية نهاية العلاقة المتوترة مع لبنان، بمباركة دولية ترضي الجميع.
غريب هذا التناقض في المواقف حيث يتم فصل الحزب عن ايران، فيما هما في الحقيقة متلازمان ومتلاصقان. الصورة لا تزال غامضة ومبهمة، وقرار دول الخليج دليل على ان ما يُطبَخ للمنطقة لا يرضي السعودية، وحتى انقشاع الغبار بشكل كامل سيبقى اللامنطق هو المسيطر على الساحة الدبلوماسية.