المواقف السعودية من لبنان وسورية جعلت الجميع، بمن فيهم بعض أصدقاء مملكة الوهم، يتذكرون "المآثر" السعودية على مدى عقود من الزمن، حيث كانت مصدراً أساسياً لتمويل الإرهاب من جهة، وتنفيذ أعمال إرهابية كبرى من جهة ثانية، ووفق ما يؤكد الصحافي الأميركي بوب وودووز، فإن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "C.I.A" حازت على دعم سعودي كبير في تمويل عملياتها، ومن هذه العمليات الإرهابية المجنونة التي نفذتها الـ"C.I.A"، وبتمويل بملايين الدولارات من بندر بن سلطان، التفجير الإرهابي الذي حصل في بئر العبد في الضاحية الجنوبية، في الثامن من آذار عام 1985، والتي كان هدفها اغتيال العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وراح ضحيتها أكثر من 84 شهيداً ومئتي جريح.
وفي تطورات ما يسمى "الربيع العربي"، كان الاعتراف الواضح لبندر في موسكو، وهو كان يحتل قمة الهرم الاستخباري السعودي، أن بلاده هي من يُمسك بالمجموعات الإرهابية ويسيّرها ويموّلها، محاولا رشوة موسكو، للكف عن مواقفها الداعمة لسورية، لتصل لاحقاً بمحمد بن سلمان حد عرض مبالغ مالية كبرى على القيصر الروسي من أجل هذه الغاية، ولمّا لم تفلح هذه المحاولات لجأت الرياض إلى لعبة النفط، فضخّت من خارج اتفاقيات "أوبك" نحو مليون ونصف مليون برميل إضافي يومياً، ما جعل الأسعار تنهار بصورة مريعة؛ في محاولة منها للتأثير على حلفاء سورية، وتحديداً على روسيا وإيران وفنزويلا وغيرهم، لكن السم الذي طبخته الرياض أكلته، فكانت هي الخاسر الأكبر في هذه المغامرة المجنونة، كونها المنتج والمصدر الأول للنفط، واقتصادها وقوتها المالية التي تشتري بها الذمم والضمائر تقوم أساساً على هذا الجانب، فكانت خساراتها كبرى ومفجعة، وبدأت تنعكس على الداخل السعودي عجزاً في الموازنة العامة للدولة التي تقول وفق وزارة المالية السعودية أنه يبلغ 85 مليار دولار، بينما يقدره الخبراء بأكثر من 150 مليار، ناهيك عن رفع الأسعار بشكل جنوني، وتوقف الكثير من المشاريع والأعمال التي أخذت تنعكس على الشركات العاملة في مملكة الرمال، وما تتعرض له مجموعات "سعودي أوجيه" و"بن لادن" أكبر دليل على ذلك، حيث تقف هاتان المجموعتان وغيرها الكثير على شفير الإفلاس.
لم تقتنع إدارة مملكة الرمال بما وصلت إليه أمورها الاقتصادية وتوقف كل برامجها التنموية وصناديقها المالية، بل اندفعت أكثر في مغامراتها؛ تحشد وتهدد وتصعد، وتنشئ الأحلاف العسكرية وتوسع حروبها التي تبقى غير مهيأة لها، وهي في الأساس دولة ذات وظيفة محددة مهمتها دعم المشاريع الاستعمارية وتمويلها وليس تشكيلها أو قيادتها، فانعمست أكثر في حربها اليمنية ترتكب أفظع الجرائم، وتنشر "القاعدة" و"داعش"، حيث تحقق نصراً، كما هو حاصل في جنوب اليمن، حيث بات واضحاً أن هذين التنظيمين المتغولين يكونان حيث تكون السعودية وتريد.
وها هي الآن تبدي بعض مآثرها الكبرى في تونس، إذ إنه بعد الموقف التونسي الرسمي والشعبي من مقررات مجلس التعاون ومجلس وزراء الداخلية العرب برفض اتهامات بائعي الكاز بوصف حزب الله بالإرهاب، كانت "غزوة" بن قردان التي نفذتها مجموعة داعشية وراح ضحيتها 18 شهيداً وعشرات الجرحى، كما أن الجيش الجزائري تمكّن في معركة استباقية من تحطيم خلية إرهابية كانت تنوي تنفيذ أعمال إجرامية، بعد الموقف الجزائري الرافض لقرار بائعي الكاز.
ثمة حقيقة واضحة، وهي أن الرياض وحكومات خليجية متورطة في تمويل عصابات الإرهاب ودعمها، وهي منذ سنوات أوفدت ضباط مخابراتها وعسكرها ليقيموا غرف عمليات وينسقوا عمليات الإرهاب في سورية، علماً أن استهداف سورية قد كُشف حتى قبل اندلاع الحرب على سورية، وهناك كمّ كبير من المعلومات بإمكان أي كان أن يعود إلى وثائق وأرشيف الصحافة المحلية والعربية والأجنبية ليكتشف الأدوار السعودية والخليجية منذ معارك جرود الضنية ومخيم نهر البارد.
وإذا كانت المقاومة الإسلامية والجيش اللبناني قد تمكّنوا من إغلاق المسارب الحدودية مع سورية بقاعاً وشمالاً، موجّهين بذلك صفعة قوية للإرهاب وداعميه من جهة، وحموا الأمن الوطني اللبناني من جهة ثانية، فإنهم بعرف السعودية يستحق كل من المقاومة والجيش اللبناني "القصاص" السعودي، فكانت "همروجة" وقف هبة الأربع مليارات دولار، وكان القرار الأميركي - "الإسرائيلي" لحزب الله بتهمة الإرهاب، مع العلم أن حكومات خليجية تورطت في السنوات الماضية تحت الضغط الأميركي في العديد من الخطوات والعمليات التي تستهدف المقاومة التي كابرت وتعالت على الجراح وخاطبت تلك الحكومات بلغة الأخوة، وأفسحت لها في المجال لمراجعة الحسابات، لكن الهستيريا السعودية تبدو اليوم قوة جارفة في مجلس التعاون الخليجي والطلبات الصهيونية الأميركية صارت أوامر، وحتى بضعة حكومات تميّزت بالعقلانية تبدو مكرَهة على مسايرة الحملات العدائية ضد حزب الله، خوفاً من الغضب والتهديد والوعيد السعودي.
أخيراً، لا بد من قول الحقيقة مهما كانت مُرة المذاق، وهي أن مملكة الوهم تنفذ طلباً أميركياً - "إسرائيلياً" بحق المقاومة وحزبها، وبهذا يمكن لأي باحث موضوعي أن يلاحظ الترابط العضوي بين الحملات على حزب الله ومصدرها هو الكيان الصهيوني، كما يستطيع أن يتتبع الحركة المسعورة للوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاتخاذ تدابير عدائية ضد الحزب ومؤسساته الإعلامية وجمهوره، وحيث كانت الإجراءات تنطلق بإيعاز من تل أبيب مباشرة بعد كل جولة من الصراع بين الكيان الصهيوني والمقاومة.