أعادت الأحداث التي تشهدها الحدود التونسية الليبية، الأضواء إلى أزمة المقاتلين الأجانب في صفوف الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، خصوصاً تنظيم "داعش"، في ظل عدم وجود خطة فاعلة لمواجهتها، لا بل أن المعلومات تشير إلى إمكانية تفاقمها في المستقبل، لا سيما أن العشرات منهم تمكنوا من العودة إلى بلدانهم الأساسية بطرق مختلفة، وبالتالي من الممكن أن يعملوا على بناء خلايا لهم فيها تتبنى النهج نفسه، بانتظار الفرصة المناسبة لإعلان نفسها، سواء كان ذلك من خلال عمليات أمنية محددة، أو عبر محاولة السيطرة على مناطق معينة لتشكيل ولايات إرهابية جديدة.
في هذا السياق، اعلن "داعش" المسؤولية عن "غزوة بن قردان" في تونس، من خلال بيان نشرته "مؤسسة البتار الإعلامية"، التي تعود في أصولها إلى "كتيبة البتار"، التي نشأت وتطورت على الأراضي السورية، قبل أن يقرر البعض من أعضائها، ذوي الأصول الليبية والتونسية، الإنتقال إلى ليبيا، بعد أن نجح فرع التنظيم الإرهابي هناك في بناء أرضية خصبة له، مستفيداً من الفوضى الأمنية التي خلفتها عملية إسقاط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ومن ثم العمل على الإستفادة من أبناء البلدين الراغبين بالإنخراط في هذا النوع من الجماعات، لا سيما أنهما يعتبران من خزاناتها البشرية المتعددة.
في السابق، تحدثت بعض الإحصاءات الغربية عن عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش" وحدها، يتحدرون من عدد من الدول العربية والإسلامية، حيث تأتي الشيشان في المرتبة الأولى، ومن ثم السعودية، وضمن اللائحة نفسها تأتي تونس وليبيا وباكستان وأفغانستان والمغرب والصومال والجزائر وفلسطين ولبنان، من دون إهمال الأعداد الكبيرة التي تأتي من بعض البلدان الأوروبية.
قبل أشهر قليلة، تم الحديث عن هذا الخطر بشكل مفصل، ونشرت بعض المعلومات عن مقتل المئات من المقاتلين الأجانب، لكن الأكيد أن هناك الآلاف لا يزالون على قيد الحياة، منهم من هو في سوريا والعراق اليوم، ومنهم من نجح في الفرار من أرض المعركة، ومنهم من ينتظر الفرصة المناسبة من أجل العودة إلى بلاده، لا سيما مع إشتداد الضغوط نتيجة الضربات التي يوجهها كل من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والتحالف الآخر الذي يضم سوريا وإيران والفصائل الحليفة لهما بقيادة الحكومة الروسية، الأمر الذي يطرح حوله مجموعة من التساؤلات، التي لا تملك أي جهة القدرة على الإجابة عنها في الوقت الراهن.
عند الإعلان عن تدخل موسكو في الحرب السورية بشكل مباشر، تمت الإشارة إلى رغبة القيادة الروسية في مواجهة المجموعات التي تنتمي إلى بلدان آسيا الوسطى بعيداً عن أراضيها، خصوصاً أن تجربتها تشير إلى إمكانية عودتهم إلى دولهم من أجل محاربتها في المستقبل، في حين عمدت بعض البرلمانات الأوروبية إلى إصدار قوانين خاصة في التعامل مع هذه الحالات، منها إسقاط الجنسية عنهم، إلا أن كل ذلك لم يمنع إرتفاع مستوى التهديدات المحتملة، لا سيما أن بعض عناصر الجماعات المتطرفة إستغلوا عمليات الهجرة غير الشرعية، من أجل الإنتقال إلى دول أخرى، وهذا الأمر قد يكون بتكليف من قياداتهم من أجل توسيع رقعة المعركة في المستقبل.
وفي حين نجحت دول الإتحاد الأوروبي، في الأيام الأخيرة، في التوصل إلى إتفاق مع الحكومة التركية، يحد من حركة الهجرة غير الشرعية نحو أراضيها، بعد إغراء الرئيس رجب طيب أردوغان بالأموال الطائلة من جراء هذه العملية، بدأت التوقعات بحصول موجة جديدة مع بداية فصل الربيع تظهر إلى العلن، بالتزامن مع الحديث عن إندلاع مواجهات كبرى مع عناصر "داعش" في معاقله الأساسية في سوريا والعراق، ما يعيد إلى الأذهان نظرية "الهجرة"، أي إمكانية إنتقال من ينجح من عناصره إلى أماكن جديدة، وهنا ستكون الأغلبية العظمى منهم من المقاتلين الأجانب، فإلى أين ستكون وجهتهم، وما هي الأعمال التي قد يقومون بها؟
في المحصلة، لا تزال أزمة المقاتلين الأجانب هي الأكبر على مستوى الجماعات الإرهابية، لا سيما أن المعطيات تشير إلى وجود عناصر منهم مرتبطة بأجهزة مخابرات عالمية وإقليمية، إلا أن الخطر الأبرز يكمن في إمكانية الإستفادة منهم على مستوى رقعة العمليات الأمنية.