في آذار يحلو للربيع أن ينطلق بمشواره المزهر بالف لون وعطر. ومن آذار أخذت الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية الإسم لتسجله في خانة محفوظاتها. فانقسمت هذه القوى لتنتزع 8 و14 من شهر آذار العالق بينهما. لكن الذكرى هذا العام تمر والجميع في كلا الفريقين يهتف مذبوحا من الألم : «عيد بأية حال عدت يا عيد».
فما هي أحوال هذين الفريقين بعد عشرة أعوام من التحالفات التي اجتمعت ذات ليلة بعدما دق الخطر على وجودها.فكانت الأعوام 2005 و2006 ملكا للجماهير التي نزلت عن «بكرة أبيها» من كل حدب وصوب. بعضهم يطالب بالحقيقة والبعض الآخر يشكر سوريا.اما في الأعوام التي تلت، فرغت الساحات وانصرفت القيادات إلى المساكنة طوعا أو قسرا في حكومات الوحدة الوطنية وتدريجا نسي الجمهور في كلا المعسكرين الأهداف التي من أجلها تأسست المحاور. ففريق شكرا سوريا انقسم إلى تيارات عديدة داخل الممانعة وفي المقابل تفرق «ثوار الأرز» ولم تعد تجمعهم سوى الأمانة العامة التي تشبه «ساعة العبد «برمزيتها. تذكر بالتاريخ المجيد لها في ساحة البرج لكن عقاربها لا تعمل. فالساعة مرمية في «بورة «على طريق النهر. مصير مشابه ينتظر الامانة العامة المرمية في الاشرفية لولا مقاومة فارس سعيد وسمير فرنجية الذي منع عنها المصير المشؤوم ذاته الذي حل بالساعة الشهيرة.
من اين نبدأ يقول أحد المطلعين على الساحة السياسية. ففي 8 آذار بلبلة وعدم وضوح الرؤية والأهداف لم تعد مشتركة بين القوى المتحالفة. فالخلل لدى هذا الفريق بدأ عند الاستحقاق الرئاسي. حيث واجه العماد ميشال عون المرشح المعارضة من داخل البيت.حاول عون الإنطلاق مع فريقه إلى خوض المعركة مع الفريق الخصم فلم يجد سوى «حزب الله» متضامنا متكافلا في السراء والضراء ,فيما فوجئ بالذي يسير خلفه يسبقه في الأمتار القليلة المتبقية. كما أن العراقيل تبقى في نواصي القطب المخفية التي تنسجها عين التينة حيث لم يطمئن العماد عون ولو للحظة عما يجري داخل اسوارها. فرغم إصراره على حضور النواب العونيين كل لقاءات الأربعاء النيابية مع الرئيس نبيه بري فإن الشك والارتياب يكمنان في جولات النائب وليد جنبلاط إلى عين التينة أو في الزيارات المكوكية للوزير وائل أبو فاعور حيث الطبخة الرئاسية ذات المواصفات المطابقة وضعت على نار خفيفة واكتملت عناصرها بترشيح بيت الوسط للنائب سليمان فرنجية.
ويكمل المطلعون :بعد هذه الشكوك واللاثقة المتبادلة. ماذا بقي من 8 آذار؟ سنة المعارضة يتسربون الواحد تلو الآخر إلى المقلب الآخر. عبد الرحيم مراد أصبح في خبر «كان حليفا «وعلى الدرب مثله يسير فيصل كرامي. ولم ينقص سوى تحالف أسامة سعد في انتخابات بلدية صيدا مع المستقبل ليكتمل عقد سنة المعارضة مع الفريق الآخر. من ينقذ 8 آذار من نفسها؟ أو إنها تحاكي المصير ذاته ل14 آذار الذي تشهد تفسخا لا يقل بحجمه ما حصل معها.
أما في 14 آذار المشهد أكثر وضوحا. ويكفي متابعة الرئيس سعد الحريري ليتأكد المطلعون أن الجرة انكسرت بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية». ففي البيال كان خطأ «لو من زمان يا حكيم « يمر ويعتبر زلة لسان لولا تكراره في زحلة عندما صارح الحريري السيدة ميريام سكاف بالقول :أخطأنا في العام 2005. والله يسامح اللي كان السبب. العبارة المشفرة وصلت إلى دائرة التحليل في معراب لتضاف إلى خطأ البيال وبالتالي بات ملف العلاقة مع المستقبل مشبعا بالنوايا غير السلمية كما أن الحريري أضاف إلى مآثره مع القوات التعابير غير الودية في مقابلته التلفزيونية عندما قال :سمير جعجع. وماذا يريد جعجع. فيما كان حريصا على ذكر سليمان بك فرنجية في كل المرات. ومثله فعل مع فخامة الرئيس امين الجميل. رددها أكثر من مرة. ويؤكد المطلعون أن الدكتور جعجع الذي يمهل ولا يهمل وضع علامة X الأحمر على ملف العلاقة مع تيار المستقبل وهذا في علم العلاقات يؤشر الى الخطوة الأخيرة التي تسبق الطلاق النهائي. ويعتبر المطلعون إذا كانت الإنتخابات الرئاسية تركت الكم الهائل من الندوب العميقة في العلاقة بين المستقبل والقوات. فماذا ستترك الانتخابات البلدية التي سيخوضها اتفاق معراب بالتكافل والتضامن. وماذا سيحصل قريبا في انتخابات نيابية سيطغى عليها «تسونامي» جديد قوامه المسيحيون في الرابية ومعراب وقد ينضم إليهم «حزب الله». من يدري؟ يضيف المطلعون على المشهد السياسي.
وتشرح الأوساط المطلعة على المشهد السياسي العوارض التي اصيبت بها قوى 8 و 14 آذار بأنها ناتجة من سوء الرؤية المشتركة. فالاهداف ليست مشتركة والاجندة ليست واحدة. البعض ينطلق لبنانيا والبعض الآخر ظبط ساعته على التوقيت الإقليمي فمهما حاول الأخ الأكبر في 8 آذار لم الشتات فإن «الرفاق» باتوا كل يغني على ليلاه. ومهما حاول سمير فرنجية «شدشدة «العقيدة التي وضعها لثوار الأرز ومهما حاول فارس سعيد تسويقها بمنطقه السلس والمحبب فـ «الرفاق «في تجمعه الاذاري رحلوا كل في طريقه يفتش عن أقصر الطرق لتحقيق نجاحه. وينهي المطلعون على المشهد السياسي بالقول إن الفريقين تركا جمهورهما على قارعة الطريق. بعضهم انطوى في المنزل. وبعضهم التحق بطلعت ريحتكم. .. لكن الجميع. .. كلن يعني كلن يهتف بصوت واحد :عيد بأية حال عدت يا عيد.